زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) أخ الإمام الباقر (عليه السلام) من رجالات العلويين ووجهاء بني هاشم وعلماء آل الرسول، كان عابداً زاهداً شجاعاً، عاش في العصر الاُموي المشحون بالظلم والفساد.
وكان الخليفة الاُموي هشام بن عبد الملك يخطّط لإهانة زيد وإذلاله لما يراه فيه من شخصيّة فذّة يمكن أن تتحملّ مسؤولية الثورة على النظام الاُموي، فجلبه إلى دمشق العاصمة الاُموية بحجّة أنّ والي العراق السابق خالد القسري له في ذمة زيد ستمائة ألف درهم.
وعندما اُحضر زيد إلى قصر الخلافة وكان هشام قد جمع له أهل الشام وأمر أن يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكّن من الوصول إلى قربه، فقال له زيد: إنّه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصي بتقوى الله، ولا من عباده أحد دون أن يوصي بتقوى الله، وأنا اُوصيك بتقوى الله يا أمير المؤمنين فاتقه. فقال له هشام: أنت المؤهِّل نفسك للخلافة الراجي لها؟ وما أنت وذاك لا اُمّ لك وإنّما أنت من أمة؟! فقال له زيد: إنّي لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبيّ بعثه وهو ابن أمة، فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام)، فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة ياهشام؟ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟!
فوثب هشام من مجلسه ، ودعا قهرمانه وقال: لا يبيتنّ هذا في عسكري. فخرج زيد وهو يقول: إنّه لم يكره قوم قطّ حرّ السيف إلاّ ذلّوا. فلمّا وصل إلى الكوفة اجتمع إليه أهلها فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب، ثم نقضوا بيعته وأسلموه، فقُتل (عليه السلام) وصلب بينهم أربع سنين لا ينكر أحد منهم ولا يغيّر بيد ولا بلسان.
ولما قتل بلغ ذلك من أبي عبد الله (عليه السلام) كلّ مبلغ، وحزن له حزناً عظيماً حتى بان عليه، وفرّق من ماله في عيال من اُصيب معه من أصحابه الف دينار، وروى ذلك أبو خالد الواسطي قال: سلَّم إليّ أبو عبد الله ألف دينار وأمرني أن اُقسّمها في عيال من اُصيب مع زيد. وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة، وكان سنّه يوم قُتل اثنين وأربعين عاماً[1] .
ولقد دعم الإمام الصادق (عليه السلام) ثورة عمّه زيد حتى كان يقول: «رحم الله عمّي زيداً إنّه دعا إلى الرضا من آل محمد، ولو ظفر لوفى بما دعا إليه، وقد استشارني في خروجه فقلتُ له يا عم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك» [2].
وكان مقتل زيد (عليه السلام) بداية زوال مُلك بني اُمية كما روي ذلك عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «اُذن في هلاك بني اُمية بعد إحراق زيد سبعة أيام» [3]. وقال (عليه السلام) أيضاً: «إنّ آل أبي سفيان قتلوا الحسين بن علي صلوات الله عليه فنزع الله ملكهم، وقتل هشام زيد بن علي فنزع الله ملكه، وقتل الوليد يحيى بن زيد (رحمه الله) فنزع الله ملكه» [4].
وبقي أهل البيت (عليهم السلام) يدافعون عن زيد بن علي (عليه السلام) ومشروعية ثورته ولا يسمحون لأحد مهما كان الطعن فيه أو إثارة الشبهات حول أهدافه وشعاراته. فعن الفضيل يقول: دخلت على الصادق (عليه السلام) فقلت في نفسي: لا أخبرته بقتل زيد بن علي فيجزع عليه، فلمّا دخلت قال لي: يا فضيل ما فعل عمّي زيد؟ قال: فخنقتني العبرة، فقال لي: قتلوه ؟ قلت: إي والله قتلوه. قال: فصلبوه؟ قلت: إي والله صلبوه. فأقبل يبكي ودموعه تنحدر على ديباجة خدّه كأنّها الجُمان، ثم قال: يا فضيل شهدت مع عمّي قتال أهل الشام؟ قلت: نعم. قال: فكم قتلت منهم؟ قلت: ستة. قال: فلعلّك شاكّ في دمائهم؟ قال: فقلت: لو كنت شاكاً ما قتلتهم. قال: فسمعته وهو يقول: أشركني الله في تلك الدماء، مضى والله زيد عمّي وأصحابه شهداء مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب وأصحابه[5] .
وعن أبي عبدون قال: لمّا حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون وقد كان خرج بالبصرة وأحرق دور ولد العباس، وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقال له: يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن علي فقُتل ولولا مكانك منّي لقتلته، فليس ما أتاه بصغير. فقال الرضا (عليه السلام): يا أمير المؤمنين لا تقس أخي زيداً إلى زيد بن علي (عليه السلام)، فإنه كان من علماء آل محمد، غضب لله عزّوجلّ فجاهد أعداءه حتى قُتل في سبيله، ولقد حدّثني أبي موسى بن جعفر (عليه السلام) أنّه سمع أباه جعفر بن محمد يقول: رحم الله عمّي زيداً إنّه دعا إلى الرضا من آل محمد، ولو ظفر لوفى بما دعا إليه» [6].
وعن أبي سعيد المكاري قال: كنّا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فذكر زيد ومن خرج معه، فهمَّ بعض أصحاب المجلس يتناوله فانتهره أبو عبد الله (عليه السلام) قال: مهلاً ليس لكم ان تدخلوا فيما بيننا إلاّ بسبيل خير، إنّه لم تمت نفس منّا إلاّ وتدركه السعادة قبل ان تخرج نفسه ولو بفواق ناقة. قال: قلت : وما فواق الناقة؟ قال: حلابها» [7].
المصدر:سایت السبطین
[1] ـ بحار الأنوار 46: 186ـ 187 ح52.
[2] ـ بحار الأنوار 46: 74 ح27.
[3] ـ بحار الأنوار 46: 191ح56.
[4] ـ بحار الأنوار 46: 182 ح46.
[5] ـ بحار الأنوار 46: 171 ح20.
[6] ـ بحار الأنوار 46: 174 ح27.
[7] ـ بحار الأنوار 46: 178ـ 179 ح36.