لازم الخط السياسي المنحرف خط فقهي يبرّر له أعماله ويضفي عليه ثوب الشرعية، وكانوا يتصدون للإفتاء والقضاء ونصب أنفسهم كعلماء لهذه الاُمّة.
فعن سدير قال: لقيت الإمام الباقر (عليه السلام) وأنا خارج من بيت الله وهو داخل ، فاستقبل البيت وقال: ياسدير أفاُريك الصادّين عن دين الله؟ ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حلق في المسجد فقال: هؤلاء الصادّين عن دين الله، بلا هدىً من الله ولا كتابٍ مبين، إنّ هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحداً يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله (صلى الله عليه وآله)[1] .
وقد تصدّى الإمام الصادق (عليه السلام) لتحذير رؤساء قضاتهم وفقهائهم من القضاء والإفتاء وأنّهم غير مؤهلين لهذه المناصب، ويبيّن لهم أخطاءهم في منهج الإفتاء والقضاء عندهم ويُقيم عليهم الحجّة الدامغة.
روى سعيد بن أبي الخصيب قال: دخلتُ أنا وابن أبي ليلى المدينة فبينا نحن في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) إذْ دخل جعفر بن محمد (عليه السلام)، فقمنا إليه فسألني عن نفسي وأهلي، ثم قال: من هذا معك؟ فقلت: ابن أبي ليلى قاضي المسلمين. فقال: نعم. ثم قال له: تأخذ مال هذا فتعطيه هذا، وتفرّق بين المرء وزوجه لا تخاف في هذا أحداً؟ قال: نعم. قال: بأيّ شيء تقضي؟ قال: بما بلغني عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعن ابي بكر وعمر. قال: فبلغك أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: أقضاكم علي؟ قال: نعم. قال: فكيف تقضي بغير قضاء علي (عليه السلام) وقد بلغك هذا؟! قال: فاصفرّ وجه ابن أبي ليلى. ثم قال: التمس زميلاً لنفسك، والله لا اُكلّمك من رأسي كلمة أبداً [2].
كما رويت له مناظرات عديدة مع أبي حنيفة حول منهجه في الاستنباط والإفتاء القائم على أساس القياس وبيّن له بطلانه بأوضح دليل وأقواه، ومع ذلك نرى إصرار أبي حنيفة وجماعته على الاستمرار على هذا النهج معاندة ومكابرة وتقرّباً إلى سلاطين زمانهم. فقد روي أن أبا حنيفة دخل على الإمام الصادق (عليه السلام) فقال له: يا أبا حنيفة بلغني أنّك تقيس؟ قال: نعم. قال: لا تقس فإنّ أوّل من قاس إبليس حين قال: )خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ( فقاس مابين النار والطين، ولو قاس نوريّة آدم بنوريّة النار عرف فضل مابين النورين وصفاء أحدهما على الآخر» [3].
المصدر:سایت السبطین
[1] ـ بحار الأنوار 47: 364ـ 365 ح81.
[2] ـ بحار الأنوار 47: 334 ح1.
[3] ـ بحار الأنوار 47: 227 ح17. والآية في سورة الأعراف: 12.