الائمة من آل محمد(صلى الله عليه وآله) ، ورثة النبي(صلى الله عليه وآله) في علومه ومعارفه ، وحملة سره وأهدافه ، وقد أشار رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) إلى هذه الحقيقة ، من خلال جملة من أحاديثه الشريفة :
«أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأته من بابه»( 19 ) .
«قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فاُعطي علي تسعة أجزاء ، والناس جزءاً واحداً ، وهو أعلم بالعشر الباقي»( 20 ) .
وهذه المعرفة الربانية المميّزة ، التي حملها الائمة من أهل البيت(عليهم السلام) يفرضها حجم المسؤولية التاريخية ، التي ينهض الائمة(عليهم السلام)بعد النبي(صلى الله عليه وآله) بها في الامة والرسالة ، وقد أشرنا إلى أبعاد هذه المهام الرسالية في بداية الحديث عن مهمة الامام(عليه السلام) .
فإذا قدر أنهم لم يحملوا ما حمله النبي(صلى الله عليه وآله) من معارف ربانية شاملة ، لا يتسنى لهم أن ينهضوا بأعباء الخلافة له(صلى الله عليه وآله) في أبعادها الحقيقية.
ومن أجل هذا وذلك ، فإن الائمة(عليهم السلام) كشفوا عن مصادر المعرفة التي اُتيحت لهم بإذن اللّه تعالى ومشيئته ، فأوضحوا أن لعلومهم مصدرين اثنين:
أ ـ الوراثة المباشرة عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، حيث ورثوا علماً مكتوباً بإملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، وخط علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، فقد تحدث الامام أبو عبد اللّه الصادق(عليه السلام) ، وهو سادس أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ، حول هذا الموضوع ، فقد أخرج الكليني(رحمه الله) بأسناده عن أبي بصير(رحمه الله) قال : «دخلت على أبي عبد اللّه(عليه السلام) فقلت له : جعلت فداك ، إني اسألك عن مسألة . ها هنا أحد يسمع كلامي ؟ قال : فرفع أبو عبد اللّه(عليه السلام) ستراً بينه وبين بيت آخر ، فأطلع فيه ثم قال : يا أبا محمد ، سلْ عمّا بدا لك . قال : قلت : جعلت فداك ، إن شيعتك يتحدثون أن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، علَّم علياً(عليه السلام) باباً يفتح له منه ألف باب ، قال : فقال : يا أبا محمد ، علَّم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) علياً(عليه السلام) ألف باب ، يفتح من كل باب ألف باب . قلت : هذا واللّه العلم ، قال: فنكت ساعة في الارض ثم قال : إنه لعلم وما هو بذاك . قال : ثم قال : يا أبا محمد ، وإن عندنا الجامعة ، وما يدريهم ما الجامعة ؟ قال : قلت : جعلت فداك، وما الجامعة ؟ قال : صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه ، فيها كل حلال وحرام ، وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الارش في الخدش ، وضرب بيده إليّ فقال : تأذن لي يا أبا محمد ؟ قال : قلت : جعلت فداك ، إنما أنا لك فاصنع ما شئت ، قال : فغمزني بيده وقال : حتى أرش هذا ـ كأنه مغضب ـ قال : قلت هذا واللّه العلم»( 21 ) .
ب ـ الالهام الالهي : أما العلوم المستجدة ، فإن الائمة من أهل البيت(عليهم السلام) يلهمونها إلهاماً ، ولا نبي بعد محمد(صلى الله عليه وآله) ، وقد تحدثوا عن هذه الظاهرة مراراً ، فقال الامام السابع موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) : «مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأما الماضي فمفسر ، وأما الغابر فمزبور ، وأما الحادث فقذف في القلوب ، ونقر في الاسماع ، وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا»( 22 ) .
وسئل أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) : «أخبرني عن علم عالمكم ؟ قال : قلت : إنا نتحدث أنه يقذف في قلوبكم ، وينكت في آذانكم ، قال : أو ذاك»( 23 ) .
وروى الكليني عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السلام) قال : «سألته عن علم العالم ، فقال لي : يا جابر ، إن في الانبياء والاوصياء خمسة أرواح : روح القدس ، وروح الايمان ، وروح الحياة ، وروح القوة ، وروح الشهوة ، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ، ثم قال : يا جابر، إن هذه الاربعة أرواح يصيبها الحَدَثان ، إلاّ روح القدس ، فإنها لا تلهو ولا تلعب»( 24 ) .
المصدر: سایت منتدی الوارث
_______________________________
(19) أخرجه الحاكم في مستدركه، وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير 1:364، وأخرجه ابن المغازلي الشافعي في عدة طرق في مناقب علي بن أبي طالب(عليه السلام): 80 ـ 85.
(20) أخرجه التزمذي في صحيحه ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والحاكم في المستدرك.
(21) الاصول من الكافي لثقة الاسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي(رض) ج 1 الطبعة الثالثة ص 239. الارش: الغرامة.
(22) نفس المصدر السابق ص 264(الغابر: الاتي والمزبور: المكتوب، القذف والنقر يعني الالهام وحديث الملك).
(23) نفس المصدر 1:264.(أو ذاك: يكون ذا ويكون ذاك).