لقد بشرت جميع الأديان السماوية، ومنها الاسلام، بظهور المصلح المنقذ في آخر الزمان ونهاية التاريخ الإنساني «ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».
وجاءت هذه الفكرة والبشارة تأكيداً للحقيقة القرآنية التي تؤكد على وراثة الصالحين والمستضعفين في الأرض: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) [123] ، (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشكون بي شيئاً) [124] .
كما أن هذا ينسجم مع الحقيقة التي أشار إليها القرآن الكريم من غلبة الحق على الباطل في مجمل الصراعات التي تحدث في التاريخ الانساني، الذي يعني أن حركة التاريخ ـ ومن خلال العناية والتدخل الإلهي بإرسال الأنبياء والمرسلين وإنزال الكتب السماوية ـ هي حركة تكاملية لابد أن تصل في نهايتها الى المجتمع الكامل الذي بشر به الأنبياء والصالحون.
وجاءت الرسالة الخاتمة (رسالة الاسلام) معبرة عن التكامل الإنسانية في هذه المرحلة على مستوى الوعي والإدراك ، وعلى التكامل النظري لتنظيم الحياة الإنسانية ، والتطور الكامل للعلاقات المختلفة في المجتمع. إلا أن التكامل على مستوى التطبيق والممارسة والتجسيد والالتزام العملي لم يتحقق تحققاً كاملاً، لأن هذا المستوى من التكامل يحتاج الى فترة طويلة من المعاناة والآلام والتجارب والامتحان.
وهنا يأتي دور أئمة أهل البيت عليهم السلام والجماعة الصالحة التي أعدوها للقيام بدور التمهيد لتلك المرحلة التاريخية ولظهور ذلك المنقذ المصلح للبشرية.
فقد كان أهل البيت يطرحون أكثر من كل أحد من الناس فكرة المهدي المنتظر والقائم بالأمر لانقاذ البشرية من الظلم والطغيان والفساد، حتى كان الكثير من المسلمين في مختلف عصور أهل البيت وحتى من قبل أتباعهم يتصور أن أحدهم هو القائم المهدي.
ونحن هنا لا نريد أن نتحدث عن الأبعاد والتأثيرات الروحية والسياسية التي أوجدها هذا الطرح المستمر لفكرة الظهور وقيام القائم بالأمر ، ولكن المقصود هو الإشارة الى دورهم في عملية التمهيد.
وقد وضع الأئمة عليهم السلام في منظورهم بناء الجماعة الصالحة التي تقوم بهذا الدور في عصر الغيبة، ليس على المستوى الفكري والعقائدي فحسب، بل على المستوي العملي أيضاً، فكان أحد أهداف وجود هذه الكتلة الصالحة هذا الدور الخاص بالتمهيد للظهور.
ويمكن أن نتبين ذلك بوضوح في هذه الجماعة الصالحة من خلال ملاحظة النقاط التالية:
1 ـ الظهور فكرة حية:
بقاء فكرة الظهور حية في وسط هذه الجماعة من المسلمين مع الارتباط الحقيقي بها والإحساس بالانتظار، وجعله شعاراً مطروحاً في وجودها الثقافي ووعيها السياسي.
ولكن من الواضح، بالرغم من أن جميع المسلمين يؤمنون بهذه الفكرة، أن هذه الجماعة الصالحة تتميز عن بقية المسلمين في مقدار تبنيها وإحساسها بهذه الفكرة والتزامها بتفاصيل معالمها. فالقائم المنتظر ليس مجرد حالة مستقبلية يطمح إليها الإنسان، بل هو حي يعيش مع الفرد المسلم، ويتحسس آلام الإنسان ومشاكل المجتمع الإنساني ، وهو ينتظر الى جانب جميع المؤمنين ذلك اليوم الموعود . فهو غائب ولكنه يشهد كل الأوضاع التي يعيشها المحاضرون.
2 ـ مسؤولية وإرادة التغيير:
إن التمهيد الذي تمارسه هذه الجماعة الصالحة ليس مجرد طرح نظري أو التزام عقائدي كما نشاهده عند جميع المسلمين، بل معتنقي الأديان، وإن كان ذلك بتفاوت كما أنه ليس ـ أيضاً ـ مجرد حالة نفسية وروحية وإن كان كل من هذين البعدين له دور في التمهيد.
وأما هذا التمهيد ـ وهو الأهم ـ فهو حركة سياسية جهادية في الأمة تتميز بالشعور بالمسؤولية تجاه ما يجري من أحداث ، وتملك الارادة في العمل على تحقيق هذا الهدف، وفي نفس الوقت تعمل للمنع من استسلامها أمام الطغاة أو الضغوط الحضارية أو الثقافية التي تواجهها عبر عصور التاريخ.
3 ـ العودة الى الإسلام:
المساهمة الفعالة في عملية الظهور وإنجاحها في مواجهة الحضارات المادية واللادينية التي تتحكم الآن في رقاب العالم الغربي، وهذا مما سوف يكشف عنه المستقبل كما تشير الى ذلك النصوص المؤكدة. ولكن على المستوى الحاضر يمكن أن نشاهد واضحاً الدور الذي تقوم به هذه الجماعة الصالحة في العودة الى الإسلام بعد المحاولات التي جرت للقضاء عليه، أو إبعاده عن الحياة خصوصاً في هذا العصر.
وبهذا الاستعراض يمكن أن نقول: إن حصيلة الهدف هية المساهمة مع الأئمة عليهم السلام في تحقيق الهدف من وجودهم، ونصرتهم في ذلك من جانب، ومن جانب آخر بقاء واستمرار دور الائمة عليهم السلام في المجتمع الإسلامي بواسطة الجماعة الصالحة، بعد فرض حصول الغيبة الكبرى للإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف .
المصدر: سایت السبطین
________________________________________
([124] ) النور (24): 55.