بدأ الإمام الحسين (ع) نشاطه السياسي العلني ضد حكومة معاوية قبل موت الأخير بسنتين في موسم الحج، فقد روى سليم بن قيس الهلالي في كتابه، قال:
ولمّا كان قبل موت معاوية بسنتين حجَّ الحسين بن علي (ع) وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر، فجمع الحسين (ع) بني هاشم، رجالهم ونسائهم ومواليهم وشيعتهم، من حجَّ منهم ومن لم يحجّ، ومن الأنصار ممّن يعرف الحسين وأهل بيته، ثم لم يترك أحداً حجَّ ذلك العام من أصحاب رسول الله ومن التابعين من الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ جمعهم، واجتمع عليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل، وهم في سرادقه عامّتهم من التابعين، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبيّ، فقام فيهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
«أمّا بعد، فإنّ هذا الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي اُريد أن أسالكم عن شيء فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذّبت فكذّبوني واسمعوا مقالتي واكتبوا قولي، ثم ارجعوا الى أمصاركم وقبائلكم، ومن ائتمنتموه من الناس ووثقتم به، فادعوه الى ما تعلمون من حقّنا، فإنّا نخاف أن يُدرَس هذا الحقّ ويذهب ويغلب ) وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ( الصف :8»·
وما تركَ شيئاً أنزل الله في القرآن فيهم إلاّ تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قاله رسول الله (ص) في أبيه واُمّه ونفسه وأهل بيته إلاّ رواه، وكلّ ذلك يقولون: اللهمَّ نعم قد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعون: اللهمّ نعم قد حدّثني به مَن اُصدّقه وأئتمنه من الصحابة·
وهكذا بدأ الإمام الحسين (ع) نشاطه السياسي العلني ضد الحكم الجائر ببيان منزلة أهل البيت (ع) في الإسلام والموقع الذي اختاره الله عزوجل لهم، بعد أن طمس الإعلام المضاد خلال السنوات المنصرمة الكثير من معالم هذه المنزلة السامية والمنصب الالهي في إمامة المسلمين بعد رسول الله (ص)·
وهكذا أخذ الحسين (ع) يحرّض المسلمين على الحكم وخاصة في الاجتماعات العامة، فقد خطب في منى في موسم الحج خطبة منها: «فاستخففتم بحقّ الأئمة، فأمّا الضعفاء فضيّعتم، وأمّا حقّكم بزعمكم فطلبتم، فلا مالاً بذلتموه، ولا نفساً خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله، أنتم تتمنون على الله جنّته ومجاورة رسله وأماناً من عذابه·
لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحلّ بكم نقمة من نقماته، لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فُضِّـلتُم بها، ومن يُعرف بالله لا تُكرمون وأنتم بالله في عباده تُكرمون، وقد ترون عهود الله منقوصة فلا تفزعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون وذمّة رسول الله مخفورة، والعمى والبُكم والزَّمن في المدائن مهملة لا ترحمون، ولا في منزلتكم تعملون، ولا من عمل فيها تعنون، وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كلّ ذلك ممّا أمركم الله به من النهي والتناهي وانتم عنه غافلون، وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غُلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسمعون· ذلك بأنّ مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الاُمناء على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سُلبتم ذلك إلاّ بتفرّقكم عن الحقّ واختلافكم في الألسنة بعد البيّنة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت اُمور الله عليكم تُرد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، ولكنّكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، وأسلمتم اُمورالله أيديهم، يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، سلَّطهم على ذلك فراركم من الموت واعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم·· الخ» الى أن قال في آخرها:
«اللّهم إنّك تعلم إنّه لم يكن ما كان تنافساً في سلطان، ولا إلتماساً من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإنّكم إلاّ تنصرونا وتنصفونا قوى الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيّكم· وحسبنا الله وعليه توكّلنا، واليه أنبنا وإليه المصير»·
المصدر: سایت السبطین