ما المقصود فمن عرف فاطمة (ع) حقَّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر؟
وقد جاء الرد على هذا السؤال في الموقع الالكتروني لمركز الابحاث العقائدية الذي يشرف عليه مكتب المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني
السؤال: (…فمن عرف فاطمة حقَّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر وإنما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها)
ما المقصود فمن عرف فاطمة حقَّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر؟
وهل ان الخلق فطموا من معرفتها هذا يدل اننا لن ندرك ليلة القدر لاننا مفطومين عن معرفتها ؟
الجواب: في الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري 1 /300 قال:
يظهر من الحديث الأول أمران : الأول : إن معرفة فاطمة حق المعرفة يعني إدراك ليلة القدر . الثاني : انقطاع الناس عن حقيقة معرفتها . فالأول تعليق، والثاني إخبار عن المحال لاستحالة معرفة فاطمة . ويستفاد من الأمر الثاني إستحالة إدراك ليلة القدر لاستحالة معرفة فاطمة حق المعرفة . ونظيره بوجه قوله (عليه السلام) « من عرف نفسه فقد عرف ربه » حيث يفيد استحالة معرفة النفس لاستحالة معرفة الرب سبحانه .
ولكن في الاسرار الفاطمية ص 373 قال:
في فاطمة الزهراء (عليها السلام) سر مستودع كما تقدم ذلك في حديثنا حول هذا الموضوع – أي السر المستودع – وأيضا في ليلة القدر سر عظيم لا يعرفه إلا المقربون الذين امتحن الله قلوبهم للإيمان والتقوى، فليلة القدر رفعها الباري عز وجل وجعلها خيرا من ألف شهر وفيها تشويق لذيذ لمعرفة ذلكم السر المكنون في أعماقها، (( وما أدراك ما ليلة القدر )) حيث خاطب الله تعالى المؤمنين في ضمائرهم لكي يحرك فيهم أمواج المعرفة عبر وسائل العلم والوعي ولتنفتح لهم أسرار ليلة القدر بالتمعن والتدقيق فيها، على أن معرفة ليلة القدر تفوق الادراك البشري العادي أي أنها تفوق إدراك سائر الناس من السواد الأعظم فإنه لا بد أن يكون فيها سر عظيم، والسر تقتضي معرفته استيعابا كاملا لمعنى ليلة القدر والغاية التي نزلت ليلة القدر من أجلها ولأجل تحقيقها في الأرض .
وعلى هذا الأساس لا بد من معرفة الأساس الذي بنى عليه الحديث الذي ذكرناه في أول بحثنا حول علاقة معرفة فاطمة (عليها السلام) بليلة القدر فإنه لا بد من وجود الترابط في هذا الموضوع المهم، ففاطمة فيها سر مستودع وكذلك ليلة القدر فيها سر مكنون، فمن عرف فاطمة والسر المستودع فيها عرف سر ليلة القدر وعظمتها، فليلة القدر عظيمة كعظمة فاطمة (عليها السلام) لذا كانت مجهولة في إثباتها ودقتها من حيث الزمان المختص بليالي شهر رمضان .
على أن من عرف فاطمة فقد أدرك ليلة القدر هذا كونه ناتج عن معرفة فاطمة التي تجعلنا ندرك الإسلام ونستوعب أهمية ليلة القدر من خلال هذه المعرفة، ولقد طرح الكثير من العلماء أوجه للشبه بين ليلة القدر وفاطمة (عليها السلام) ومنها :
* ليلة القدر وعاء وظرف زماني لنزول كل القرآن الكريم (( إنا أنزلناه في ليلة القدر ))، (( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ))، لا يأتيه الباطل من بين يديه، وفيه كل شئ، وتبيان كل شئ، وسعادة الدارين .
وكذلك الحوراء الإنسية فاطمة الزكية، فإن قلبها ظرف مكاني وروحاني، وصدرها وعاء إلهي للقرآن الكريم والمصحف الشريف، وأنها كانت محدثة تحدثها الملائكة، فهي وعاء للإمامة وللمصحف الشريف .
* وفي ليلة القدر يفرق كل أمر أحكمه الله خلال السنة، فيفرق ما يحدث فيها من الأمور الحتمية وغيرها، وينزل بها روح القدس على ولي العصر والزمان وحجة الله على الخلق الذي بيمنه رزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، وأن الإيمان بليلة القدر فارق بين المؤمن والكافر . كذلك بفاطمة الزهراء الطيبة الطاهرة المطهرة يفرق بين الحق والباطل، والخير والشر، والمؤمن والكافر، وقد ارتد الناس في العمل وفي الولاية بعد رحلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ثلاث أو خمس أو سبع، وفيهم سيدة النساء فهم على حق، وغيرهم استحوذ عليهم الشيطان فأغرهم وأضلهم فكانوا أئمة الضلال .
* وفي ليلة القدر معراج الأنبياء والأولياء إلى الله سبحانه فيزاد في علمهم اللدني والرباني ويكسبوا من الفيض الأقدس الإلهي . كذلك ولاية فاطمة المعصومة النقية التقية، فهي مرقاة لوصولهم إلى النبوة ومقام الرسالة والعظمة الشموخ الإنساني والروحاني، فما تكاملت النبوة لنبي حتى أقر بفضلها ومحبتها وذلك في عالم (( ألست بربكم )) أو في عالم الذر أو عالم الأنوار أو الأرواح أو النشأة الإنسانية التي وراء نشأتنا هذه، وهذه إنما هي صورة لتلك كما عند بعض الأعلام . ففاطمة الزهراء قطب الأولياء والعرفاء ومعراج الأنبياء والأوصياء، صدرها خزانة الأسرار، ووجودها ملتقى الأنوار، فهي حلقة الوصل بين أنوار النبوة وأنوار الإمامة، فأبوها محمد رسول الله، وبعلها علي وصيه وخليفته إمام المتقين وأمير المؤمنين، ومنها أئمة الحق والرشاد وأركان التوحيد وساسة العباد .
* وليلة القدر خير من ألف شهر فيضاعف فيها العمل والثواب كل واحد بألف، فالتسبيح والتمجيد والتهليل والتكبير والصلاة وكل عمل كل واحد بألف، فكذلك محبة الزهراء وولايتها يوجب مضاعفة الأعمال فإن تسبيحها (34 مرة الله أكبر و 33 مرة الحمد لله و 33 مرة سبحان الله) بعد كل صلاة واجبة أو نافلة يجعل كل ركعة بألف ركعة كما ورد في الخبر الشريف . فمودتها هي الإكسير الأعظم، يجعل من كان معدنه الحديد ذهبا، وأن الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، فمن والاها وأحبها وأطاعها وأطاع أبنائها الأطهار، وعادى عدوها وأعداء ذريتها، فإنه يكون كالذهب المصفى وباقي الناس كلهم التراب، وأن الله يضاعف الأعمال بحبها كما تضاعف في ليلة القدر . وامتازت ليلة القدر عن كل ليالي السنة بالخير والبركة والشرافة والعظمة وعلو الشأن والرفعة، كذلك خير نساء الأولين والآخرين فاطمة الزهراء (عليها السلام) فهي خير أهل الأرض والسماء عنصرا وشرفا وكرامة بعد أبيها الرسول المصطفى وبعلها الوصي المرتضى .
* وليلة القدر ليلة مباركة (( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ))، والبركة بمعنى النماء والزيادة والخير المستمر والمستقر الدائم والثابت وما يأتي من قبله الخير الكثير، ومن ألقاب فاطمة الزهراء أنها (المباركة) ففيها كل بركات السماوات والأرض، فهي الكوثر في الدنيا والآخرة، وهي المنهل العذب والمعين الصافي لكل من أراد البركة، فما أدراك ما فاطمة، خير من في الوجود بعد أبيها وبعلها.
المصدر: شفقنا