جرى حفل كبير بمناسبة افتتاح المدرسة العلمية الجعفرية في مدينة سامراء.
وألقى كلمة المرجعية العليا في النجف الأشرف السيد محمد حسين العميدي وعرج على تاريخ المدرسة في الحقبة الماضية والسبب في اغلاقها مشيراً انه بتوجيه مباشرة من قبل المرجع الاعلى السيد علي السستاني “دام ظله” وحرصاً منه على إعادة فتح المدرسة باشرت المرجعية ببنائها من جديد.
وقال: في هذه الايام المباركة ونحن نعيش ذكرى ولادة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وذكرى ولادة حفيده الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يُسعدنا ويَسرنا أن نحتفي بحضوركم الكريم لافتتاح هذا الصرح الرائع وهو (المدرسة العلمية الجعفرية) التي أعيد بناؤها بأمر سيدنا المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله.
وتابع إن هذه المدرسة المباركة هي آخر ما ينتسب في مدينة سامراء المقدسة الى مرجع الامة في عصره المجدد السيد الميرزا محمد حسن الحسيني الشيرازي رضوان الله عليه ، حيث ذكر المؤرخون انه لما هاجر الى جوار الامامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام عام 1291 من الهجرة وأقام حوزته العلمية بالقرب من مشهدهما المقدس قام بخدمات جليلة لهذه المدينة المقدسة التي لم تكن تلك الايام الا بلدة صغيرة ومعظم بيوتها مبنية بالطين، فصرف اموالاً طائلة في اقامة جسر خشبي وصل به ضفتي دجلة وكان ممدوداً على ثمانية واربعين قارباً فقدم بذلك خدمة كبيرة لأهالي سامراء والزوار الوافدين اليها كما بنى سوقاً كبيراً ودوراً كثيرة وحماماً للرجال وآخر للنساء وأماكن لإيواء الزوار، الا ان هذه المباني والشواهد اندثرت جميعاً ولم يبق منها عين ولا أثر.
واضاف وبنى أعلى الله مقامه أيضاً في هذا المكان الذي نحن فيه في عام 1308 للهجرة مدرسة علمية ضخمة على مساحة ثلاثة آلاف متر مربع لسكنى طلاب العلوم الدينية وكانت لها باحتان صغرى وكبرى وكل منهما ذات طابقين والجميع مؤلف من خمس وتسعين غرفة وقد استمرت تلك المدرسة عامرة بالعلم واهله عشرات السنين، وفي عام 1969 للميلاد فتحت الحكومة شارعاً في جنب المدرسة واقتطعت من مساحتها حوالي الف متر فأصبحت اصغر من ذي قبل ولكن استمر نشاطها العلمي، وكان مراجع النجف الأشرف يولون اهتماماً كبيراً بها ويصرفون في تعميرها وعلى طلابها ما يتيسر لهم من الحقوق الشرعية، واستمر الحال على هذا المنوال الى أن وقعت احداث عام 1991م في عدد من محافظات الوسط والجنوب فاستغل ذلك جماعة من الجهال والمغرضين فهجموا على المدرسة ونهبوا ما فيها واهمها مكتبتها الثمينة الزاخرة بالمخطوطات النادرة والمطبوعات القديمة ثم هدموها ولم يبقوا لها أثراً الا بقايا شجرة كبيرة كانت قائمة فيها وهي ما تلاحظونها اليوم في جانب من ساحة المدرسة، وقد صدر في عام 1994 م قرار حكومي بمصادرة ارضها لحساب وزارة الاوقاف السابقة ولكن تم في عام 2015م تسجيلها باسم ديوان الوقف الشيعي، وبالنظر الى اهمية اعادة بناء هذه المدرسة الشريفة لما تمثله من معلم ديني وتاريخي في هذه المدينة المقدسة فقد اوعز سيدنا المرجع الاعلى بتشييدها مرة اخرى على ما تبقى من ارضها وقد تم ذلك بحمد الله تعالى وحسن توفيقه على احسن طراز وابهى صورة، ويشتمل البناء الجديد على طابقين وباحة كبيرة وفيها ثلاث وثلاثون غرفة لسكنى الطلاب وقاعات للدرس والمباحثة ومصلى ومكتبة بالإضافة الى المطبخ والمطعم والمجموعة الصحية وغيرها من المرافق اللازمة.
وقال لقد كان السيد المجدد الشيرازي رضوان الله عليه مثالاً يحتذى به في حفظ الحرمات ورعاية مقتضيات الاخوة الاسلامية بين اتباع المذاهب المختلفة وعدم السماح للأجنبي أياً كان بالتدخل في شؤون المسلمين، وله في ذلك مواقف مشهودة تذكر فتشكر. وعلى هذا المنهج القويم سار المراجع العظام من بعده، ومنهم سيدنا المرجع الاعلى في هذا العصر الذي طالما أكد على ضرورة رصّ الصفوف ونبذ الفرقة والابتعاد عن النعرات الطائفية والتجنّب عن إثارة الخلافات المذهبية ، ولاسيما انها لا تمسّ أصول الدين واركانه ، فان الجميع يؤمنون بالله الواحد الأحد وبرسالة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله و بالمعاد وبكون القرآن الكريم ـ الذي صانه الله تعالى من التحريف ـ مع السنة النبوية الشريفة مصدراً للأحكام الشرعية وبمودة أهل البيت عليهم السلام ، ونحو ذلك مما يشترك فيه المسلمون عامة ومنه دعائم الاسلام : الصلاة والصيام والحج وغيرها . فهذه المشتركات هي الاساس القويم للوحدة الاسلامية ، فلا بدّ من التركيز عليها لتوثيق أواصر المحبة والمودة بين أبناء هذه الأمة ، ولا أقل من العمل على التعايش السلمي بينهم مبنياً على الاحترام المتبادل وبعيداً عن المشاحنات والمهاترات المذهبية والطائفية أيّاً كانت عناوينها .
شدد دام ظله على انه ينبغي لكل حريص على رفعة الاسلام ورقيّ المسلمين أن يبذل ما في وسعه في سبيل التقريب بينهم والتقليل من حجم التوترات الناجمة عن بعض التجاذبات السياسية لئلا تؤدي الى مزيد من التفرق والتبعثر وتفسح المجال لتحقيق مآرب الاعداء الطامعين في الهيمنة على البلاد الاسلامية والاستيلاء على ثرواتها .
واشار الى انه ويتذكر الجميع انه لما وقع الاعتداء الآثم على مرقد الامامين العسكريين عليهما السلام بتفجير قبته المباركة بادر الى مناشدة الناس بان لا يعبروا عن ادانتهم لانتهاك الحرمات واستباحة المقدسات الا بالأساليب السلمية مراعين اقصى درجات ضبط النفس لئلا يبدر منهم قول او فعل يسيء الى اخواننا اهل السنة الذين أكد دام ظله أنهم براء من تلك الجريمة النكراء ولا يمكن ان يرضوا بها ابداً .
واعتبر إن هذه المدرسة المباركة قد شيدت في هذه المدينة التاريخية لتكون مناراً للعلم والتقوى ورمزاً للمحبة والألفة بين المسلمين، ولا نرضى لها غير ذلك، وهي بعد اعادة بنائها أمانة غالية بأيدي أحبتنا أهالي سامراء الكرام ولا سيما عشائرها الغيارى، ونحن على ثقة بأنهم أهل لحفظ هذه الامانة ورعايتها وعدم السماح بالمساس بها.
وفي الختام نوجّه بالغ الشكر وعظيم التقدير لكل الذين لبوّا دعوتنا للحضور في هذا الحفل البهي سائلين الله تعالى أن يشملهم برحمته وبركاته ويأخذ بأيدي الجميع الى ما فيه صلاح العراق وأهله إنه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: شفقنا