اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ في ظُلُماتِ الارْضِ...
يصادف آخر ذي القعدة الحرام، ذكرى استشهاد الإمام محمد الجواد(ع) بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم). وهو تاسع أئمة أهل البيت الاثنى عشر (سلام الله عليهم) الذين اوصی اليهم رسول الله (صلی الله عليه واله) بامر من الله سبحانه لتولي مهام الإمامة والقيادة من بعده بعد ان نص القرآن الکريم علی عصمتهم وتواترت السنة الشريفة بذلك.
تجسدت في شخصية الإمام الجواد -کسائر آبائه الکرام- جميع المثل العليا والاخلاق الرفيعة التي تؤهل صاحبها للإمامة الرسالية والزعامة الربانية. وتقلد الإمامة العامة وهو في السابعة من عمره الشريف وليس في ذلك ما يدعو الی العجب، فقد تقلد عيسی بن مريم عليه السلام النبوة وهو في المهد. لقد اثبت التاريخ من خلال هذه الإمامة المبکرة صحة ما تذهب إلیه الشيعة الامامية في الإمامة بانه منصب إلهي يهبه الله تعالی لمن يشاء ممَن جمع صفات الکمال في کل عصر فقد تحدَی الامام الجواد عليه السلام -علی صغر سنه- اکابر علماء عصره وعلاهم بحجته بما أظهره الله تعالی علی يديه من معارف وعلوم أذعن لها علماء وحکَام عصره.
لقد عاصر الإمام الجواد عليه السلام خليفتين من خلفاء الدولة العباسية هما: المأمون والمعتصم العباسي. خمس عشرة سنة وهي حياته بقية حكم المأمون من سنة 203هـ إلى سنة 218هـ. واما حياته بعد حكم المأمون فقد بلغت حوالي سنتين من ايام حكم المعتصم اي من سنة 218-220هـ.
بدأت إمامة الإمام الجواد عليه السّلام سنة 203 هـ، بعد شهادة أبيه الإمام الرضا عليه السّلام. وكان لأبي جعفر الجواد عليه السّلام يومذاك من العمر ثمانية أعوام وقد أُوتيَ الحُكم والحكمة صبيّاً، فقد ولد عليه السّلام في سنة 195 هـ.
وتسنُّمُ الإمام الجواد عليه السّلام لمنصبٍ خطير كمنصب الإمامة الإلهيّة يستدعي قيادةَ جماهير الأمّة على مختلف الأصعدة، بحيث يُذعن لحكمته ودرايته القريبُ والبعيد، والعدوّ والصديق، كلّ ذلك يتطلّب التصدّي لتحديّات كبيرة واسعة، وخاصّة في وسطٍ يحكم فيه بنو العبّاس الذين يدّعون أنّهم الأحقّ بالخلافة من أئمّة أهل البيت الأطهار عليهم السّلام، ويعتبرونهم المنافس الشديد لهم في هذا الأمر.
واجه الإمامُ الجواد عليه السّلام هذه الظروفَ بمتانة وحكمة، ويحدّثنا التاريخ أنّ أباه الإمام الرضا عليه السّلام قد أشار إلى ولده الجواد عليه السّلام بالإمامة من بعده، وأنّه عليه السّلام احتجّ على من استصغر سنّ الجواد عليه السّلام لمثل هذا المنصب المهمّ، فقد استصغر بعض أصحابه سنّ أبي جعفر الجواد عليه السّلام حين أوصى له أبوه الإمام الرضا عليه السّلام، فقال له أبو الحسن الرضا عليه السّلام: إنّ الله بَعَث عيسى ابن مريم رسولاً نبيّاً صاحبَ شريعةٍ مُبتدَأة في أصغرَ من السنِّ التي هو فيها.
ورُوي أنّ الإمام الرضا عليه السّلام قال لعليّ بن أسباط: يا عليّ، إنّ الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ في النبوّة، فقال (وآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيّاً)، وقال (ولمّا بَلَغَ أشُدَّه)، (وبَلَغَ أربعينَ سَنةً)؛ فقد يجوز أن يُؤتى الحُكم صبيّاً، ويجوز أن يُعطاها وهو ابن أربعين سنة. أي أنّ الاصطفاء الإلهيّ اصطفاءٌ طليق لا يخضع لاعتبارات السنّ والعمر، بل يرتبط بالمضمون الإلهيّ في داخل من يصطفيه الله تعالى ويختاره.
الامام الجواد في عهد الخليفة المأمون:
اراد الخليفة المأمون تزويج ابنته أم الفضل من الإمام أبي جعفر الجواد عليه السلام مما استنكره بني عباس، في حين كان المأمون أراد بذلك استمالتَه وفَصْلَه عن جماهير شيعته من جهة، والتظاهر بالبراءة من دم أبيه الإمام الرضا عليه السّلام الذي كان قد اغتاله آنفاً من جهة ثانية، كما أراد كسب مودّة الشيعة من خلال التقريب الظاهريّ لإمامهم من جهة ثالثة - وناشدوا المأمونَ أن ينصرف عن أمر هذا التزويج، وقالوا: إنّا نخاف أن تُخرِجَ عنّا أمراً قد مَلَّكَناهُ اللهُ، وتَنزعَ عنّا عِزّاً قد ألْبَسَناهُ الله! فأبى المأمون أن يُصغي إلى كلامهم، فقد كان أدهى من أن يُسلّم بهذه البساطة عرشاً قَتَل من أجله أخاه الأمينَ ثمّ الإمامَ الرضا عليه السّلام، وسفك دماء الآلاف من المسلمين.
ثمّ توسّل العبّاسيون بطريقة أخرى لصرف المأمون عمّا عزم عليه، وهو التشكيك بمدى مقدرةِ صبيٍّ صغير لم يبلغ - في نظرهم - السنَّ التي ينبغي أن يَبلُغَها من يُصاهِر الخليفة، وعرضوا على المأمون أن يسمح لهم باختباره، فأذن لهم في ذلك.
خرج العبّاسيّون من عند المأمون، واجتمع رأيُهم على مسألة يحيى بن أكثم ـ وهو يومئذٍ قاضي القضاة ـ على أن يسأل الإمامَ الجواد عليه السّلام مسألة لا يَعرِف الجوابَ فيها، ووعدوه بأموالٍ نفيسة على ذلك، ثمّ عادوا إلى المأمون وسألوه أن يختار لهم يوماً للاجتماع، فأجابهم إلى ذلك... ثمّ إنّ يحيى بن أكثم قال للمأمون: أتأذَنُ لي أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟
فقال المأمون: استأذِنْه في ذلك.
فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي - جُعِلتُ فداك! - في مسألة؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام: سَل إنْ شئت!
فقال يحيى: ما تقولُ- جُعلت فداك - في مُحْرِمٍ قَتَل صَيْداَ؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام: قَتَلَه في حِلّ أو حَرَم؟ عالِماً كان المُحرِمُ أو جاهلاً؟ قَتَله عَمْداً أو خَطأً؟ حُرّاً كان المُحرمُ أم عبداً؟ صغيراً كان أم كبيراً؟ مُبتدئاً بالقتل كان أو مُعيدا؟ مِن ذواتِ الطيرِ كان الصيدُ أم مِن غيرها؟ مِن صغارِ الصيدِ أم مِن كباره؟ مُصِرّاً على ما فَعَل أو نادماً؟ في الليل كان قَتْلُه للصيد أم في النهار؟ مُحرِماً كان بالعُمرة إذ قَتَله أو بالحجّ كان مُحرماً؟
عندئذ تحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع، ولَجْلَج حتّى عَرَف جماعةُ أهل المجلس عَجزَه.
ثمّ إنّ المأمون سأل الإمامَ الجواد عليه السّلام أن يُجيب عن تلك الأسئلة، فأجاب عن جميع المسائل بما هو مشهور.
وهكذا فشلت مكيدة يحيى بن أكثم، وأخفقت مساعي العبّاسيّين في الغمز من مقام الإمام الجواد عليه السّلام، وبان للجميع فضلُه وعِلمُه على حداثة سنّه ونعومة أظفاره.
ولما كان الإمام الجواد عليه السلام، يمثل خطراً على النظام الحاكم المنحرف، لذلك نجد المأمون العباسي يستقدم الإمام الجواد عليه السلام من المدينة المنورة سنة 211 هـ ويقوم بتزويجه من ابنته أمّ الفضل،، في محاولة منه لاستيعاب موقف الإمام الجواد عليه السلام وضمّه إلى حاشيته واحتواء حركته الجماهيرية في المجالين الفكري والسياسي.
لكن الإمام عليه السلام كان على العكس من ذلك، كان يرفض البقاء في بغداد، لانه كان يدرك جيدا ان المامون يحاول الالتفاف عليه لذلك رفض الاقامة في بغداد فغادرها الى المدينة، ومن ناحية اخرى اراد الامام الجواد (سلام الله عليه) ان يكون بعيدا عن حصار السلطة ومراقبتها، ويعود إلى المدينة المنورة، ليسقط الخطة، ويحقق الاهداف المرتبطة به كإمام للأمة ورائد من رواد الشريعة.
لقد ساهم الامام الجواد عليه السلام طيلة فترة امامته التي دامت نحو سبعة عشر عاما في أعناء مدرسة أهل البيت العلمية وحفظ تراثها والتي امتازت في تلك المرحلة بالاعتماد علی النص والرواية عن رسول الله صلی الله عليه واله وسلم وعلی الفهم والاستنباط من الکتاب والسنة بالاضافة إلی اهتمامها بالعلوم والمعارف العقلية التي ساهم الائمة وتلامذتهم في انمائها واغنائها وتوسيع مداراتها حتی غدت صرحا شامخا وحصنا منيعا للفکر الاسلامي وللشريعة الاسلامية.
الامام الجواد (سلام الله عليه) في عهد الخليفة المعتصم العباسي:
بعد موت المأمون جاء المعتصم للسلطة، فكان كأسلافه العباسيين على خوفه من إمامة أهل البيت عليهم السلام ومكانتهم العلمية والسياسية، فاستدعى الإمام الجواد عليه السلام من المدينة المنورة الى بغداد عام 219هـ خوفا من تألق نجمه واتساع تأثيره أكثر وليكون على مقربة من مركز السلطة والرقابة ولعزله من ممارسة دوره العلمي والسياسي والشعبي. لقد كان هذا الاستقدام بمثابة الاقامة الجبرية تتبعه عملية اكبر وهي التصفية الجسدية.
وفعلا تم استقدام الإمام الجواد عليه السلام من المدينة المنورة إلى بغداد، ولم يبق في بغداد إلا مدة قصيرة حتى استشهد سنة 220هـ بدسيسة حاقدة خبيثة، فقد استغل المعتصم ام الفضل لتنفيذ هذه الجريمة النكراء.
لماذا اغتيل الامام الجواد عليه السلام؟
مات المأمون العبّاسيّ فجأة سنة 218 هـ عندما كان في طريقه إلى قتال الروم، في منطقة تُدعى «بديدون» على الساحل الشاميّ. وكان قادة جيشه يرغبون في مبايعة العبّاس بن المأمون، لكنّ الأخير بايع عمّه أبا إسحاق المعتصم عملاً بوصيّة المأمون. ولم تخل هذه الفترة من الاعتداءات الظاهرية على الإمام عليه السلام من أذناب السلطة.
وهكذا تصدّر المعتصم حكومة الدولة الإسلاميّة، لكنّه ـ خلافاً لسلفه المأمون - كان يفتقر إلى الدهاء والفطنة، وكان حظّه في العِلم والدراية قليلاً، يميل إلى الخشونة والقوّة. وكانت تلك الصفات من العوامل التي شجّعته على فتح الباب للأتراك للتدخّل في الأمور العسكريّة والنفوذ إلى مراكز الدولة. ومن أوّل ما فعله المعتصم بعد دخوله بغداد سنة 218 هـ أنّه أرسل إلى الإمام الجواد عليه السّلام في المدينة يستدعيه إلى العاصمة بغداد.
الحقيقة هي ان وجود الإمام الجواد (عليه السلام) كان يمثل خطراً على النظام الحاكم لما كان يملكه هذا الإمام من دور فاعل وقيادي للاُمة، لذلك قررت السلطة أن تتخلّص منه مع عدم استبعادها وجود العلاقة بين الإمام القائد والتحركات النهضوية في الاُمة.
فقد روى المؤرخون عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد قاضي المعتصم قوله: رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ فقلت له في ذلك، فقال وددت اليوم اني قد مت منذ عشرين سنة، قال قلت له: ولم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الاسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين، قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: إن سارقاً اقرّ على نفسه بالسرقة، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي فسألناه عن القطع في اي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع.
قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قلت: لأن اليد هي الاصابع والكفّ الى الكرسوع، لقول الله في التيمم (فامسحوا بوجوهكم وايديكم) واتفق معي ذلك قوم. وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل على ذلك؟ قالوا: لأن الله لمّا قال: (وايديكم الى المرافق) في الغسل دلّ ذلك على ان حدّ اليد هو المرفق.
قال: فالتفت إلى محمد بن علي (عليه السلام) فقال: ما تقول في هذا ياأبا جعفر؟ فقال: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين، قال: دعني ممّا تكلموا به! اي شيء عندك؟ قال: اعفني عن هذا ياأمير المؤمنين، قال: اقسمت عليك بالله لمّا اخبرت بما عندك فيه.
فقال: أمّا اذا أقسمت عليّ بالله اني اقول انهم اخطأوا فيه السنّة، فإن القطع يجب ان يكون من مفصل اُصول الاصابع، فيترك الكفّ، قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله: السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى: (وان المساجد لله) يعني بهذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحداً) وما كان لله لم يقطع. قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ. قال ابن أبي دؤاد: قامت قيامتي وتمنّيت أني لم أك حيّاً. وقد احتفی به عليه السلام - وهو ابن سبع سنين- کبار العلماء والفقهاء والرواة وانتهلوا من نمر علمه ورووا عنه يالکثير من المسائل العقاتدية -الفلسفية والکلامية -الفقهية والتفسيرية الی جانب عطائه في سائر مجالات المعرفة البشرية.
لقد احس المعتصم العباسي ان وجود الامام الجواد خطرا كبيرا على سلطته وانه سيعري شرعية هذه السلطة الزائفة ولهذا السبب درس المعتصم اكثر السبل التي يستطيع بها ان يصفي الإمام، فاعلية وأقلها ضرراً، فلم يجد افضل من اُم الفضل بنت أخيه المأمون للقيام بهذه المهمّة فهي التي تستطيع ان تقتله بصورة اكيدة دون ان تثير ضجة في الاُمة، مستغلاً نقطتين في شخصيتها، هما:
- كونها تنتمي للخط الحاكم انتماءً حقيقياً، فهي بنت المأمون وعمّها المعتصم، وليست بالمستوى الايماني الذي يجعلها تنفك عن انتمائها النسبي هذا، لذلك كانت تخضع لتأثيراته وتنفذ ما يريده ضد الإمام.
-غيرتها وحقدها على الإمام بسبب تسريه وتزوّجه من نساء اُخريات خصوصاً وانها لم تلد للامام وإنما رزق الإمام من غيرها ولده الهادي عليه السلام.
وقد سار هذا الامام العظيم علی نهج ابيه الامام الرضا عليه السلام، من القيام برعاية الشيعة وتربيتهم علميا وروحيا وسياسيا بما يجعلهم قادرين علی الاستمرار في المسيرة التي خططها لهم إئمتهم المعصومين حيث تنتظرهم الايام المقبلة التي تتميز بالانقطاع عن ائمتهم فکان لابد لهم ان يتقربوا من حالة الاکتفاء الذاتي في إدارة شؤونهم فکريا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
واخيرا قرر المعتصم العباسي قتل الامام الجواد عليه السلام على يد ام الفضل، فاقدمت على تنفيذ هذه الجريمة النكراء، فدسّت السمّ للإمام الجواد عليه السّلام وكان صائماً في يوم صائف ، فأفطر عليه وقضى به مسموماً شهيداً، آخرَ ذي القعدة الحرام سنة 220 هجرية، وهو في ريعان شبابه الشريف، إذ لم يبلغ عمره المبارك إلاّ خمساً وعشرين سنة وأربعة أشهر. وقد انطوت بشهادته بموته صفحة من صفحات الرسالة الاسلامية التي اضاءت الفكر ورفعت منار العلم والفضيلة في الارض.
بعد أن استُشهد عليه السّلام ببغداد دُفن في مقابر قريش مع جدّه الإمام موسى الكاظم عليه السّلام، وقد ضمّهما ضريح واحد عليه قبّتان ذهبيّتان في المدينة التي كانت حياتها بهما، وهي اليوم تُدعى بـ "الكاظميّة" وتقع في جانب الكرخ من مدينة بغداد عاصمة العراق.
كلام كبار اهل السنة في الإمام محمد الجواد عليه السلام:
ساهمت مناظرات وحوارات الإمام الجواد (سلام الله عليه) في عصر حكومتي المأمون والمعتصم في الاجابة على كثير من الاشكالات والمسائل العلمية والفقهية، وأدت الى اعجاب خصوم الإمام وكذا العلماء والمفكرين الإسلاميين شيعة وسنة واشادتهم بشخصيته الفذّة معترفين بالإمام كشخصيّة مرموقة. نكتفي هنا بالإشارة إلى بعض من تلك الشهادات:
* عن السبط الجوزي: لقد كان في علمه وتقواه وزهده وعفوه على سر أبيه.
* عن ابن حجر الهيثمي: قال له - المأمون يوماً - أنت ابن الرضا حقاً، وأخذه معه، وأحسن إليه، وبالغ في إكرامه. فلم يزل مشفقاً به لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عظمته وظهور برهانه مع صغر سنه، وعزم على تزويجه بابنته أم الفضل، وصمم على ذلك.
*عن الفتال النيشابوري: وكان المأمون قد شغف بأبي جعفر (سلام الله عليه) لما رأى من فضله مع صغر سنه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل، مالم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان.
* عن الجاحظ عثمان المعتزلي- وقد كان من مخالفي آل علي عليه السلام: إن الإمام الجواد (سلام الله عليه) هو العاشر من الطالبيين الذين قال عنهم: إن كلاّ منهم كان عالماً وزاهداً وعابداً وشجاعاً وسخياً ونقياً وطاهراً.
روائع من نور كلماته
ان أئمة أهل البيت عليهم السلام هم أئمّة الحقّ، وأعلام الدين، وألسنة الصدق! إن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يُسبقوا. فهم عيش العلم، وموت الجهل. يُخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حِكَم منطقهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه. إن سكتوا كان سكوتهم ذكراً، وإن نظروا كان نظرهم عبرة، وإن نطقوا كان منطقهم الحكمة. فكلامهم: لا يُملُّ وحديثهم لا تمجّه الآذان، وتستأنس به النفوس، وهو إلى القلب أسرع منه إلى السمع وإن كان يمر عبر صيوانه؛ وذلك لاَنّ لسان حالهم أسبق من لسان مقالهم. وانّ ما يخرج من القلب لا شك أنه يدخل مفترشاً صحراء القلب، ولا يبقى عالقاً في شفير المسامع .
فكما أن كلامهم عليهم السلام، وكلّ كلامهم نور.. ونطقهم حكمة.. فإنّ إمامنا الجواد (سلام الله عليه)ـ وهو أحد أهل البيت النبوي الطاهر - له أيضاً كلمات حكيمة، ومواعظ نورانية، وآداب إلهية.
وقد آثرنا ونحن نقترب من خاتمة هذه الدراسة، نقل قبسات من أنوار حكمه عليه السلام والتي هي في مضامينها مناهج عمل، وبرامج توعية وهداية للسالكين طريق الحق والصلاح.
فمما قاله عليه السلام: "لا تعادِ أحداً حتى تعرف الذي بينه وبين الله تعالى، فإن كان محسناً فإنه لا يسلمه إليك، وإن كان مسيئاً فإن علمك به يكفيكه، فلا تعاده".
وقال عليه السلام أيضاً: "الثقة بالله تعالى ثمن لكلِّ غالٍ، وسُلّم إلى كلِّ عالٍ" .
وقال عليه السلام: من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة".
وقال عليه السلام: « كيف يضيع من الله كافله؟! وكيف ينجو من الله طالبه؟! ومن انقطع إلى غير الله وكّله الله - تعالى - إليه ، ومن عمل على غير علم أفسد أكثرمما يصلح".
وقال عليه السلام: "من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدي عن الله عزَّ وجلَّ فقد عبد الله، وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان".
وقال عليه السلام: "لا تكن ولياً لله في العلانية، وعدواً له في السرِّ".
وقال عليه السلام: "لن يستكمل العبد حقيقة الاِيمان حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر هواه وشهوته على دينه".
وقال عليه السلام: "من أطاع هواه أعطى عدوّه مناه" .
وقال عليه السلام:" من كثر همّه سقم جسده".
وقال عليه السلام: "من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه" .
وقال عليه السلام: "يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم".
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ في ظُلُماتِ الارْضِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَ عَلى آبائِكَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَ عَلى اَبْنائِكَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَ عَلى اَوْلِيائِكَ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ اَقَمْتَ الصَّلاةَ، وَ آتَيْتَ الزّكاةَ، وَ اَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَ نَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ تَلَوْتَ الْكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ، وَ جاهَدْتَ في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ، وَصَبَرْتَ عَلَى الاذى في جَنْبِهِ حَتّى أتاكَ الْيَقينُ، اَتَيْتُكَ زائِراً عارِفاً بِحَقِّكَ مُوالِياً لاوْلِيائِكَ مُعادِياً لاعْدائِكَ فَاشْفَعْ لي عِنْدَ رَبِّكَ.
فسلام عليه يوم ولد ويوم تقلّد الإمامة وجاهد في سبيل ربّه صابراً محتسباً ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.
المصدر : العالم