شفقنا -خلال حفل ختام مهرجان ربيع الشهادة الثقافيّ العالمي الرابع عشر الذي أُقيم مساء الثلاثاء امس الاول في الصحن الحسينيّ الشريف كانت هناك كلمة للقسّ الدكتور جوزيف كولنك من أمريكا، والتي ممّا جاء فيها:
“اسمحوا لي أن أعبّر عن خالص شكري الى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني والى المتولّيين الشرعيّين والى الأمانتين العامّتين للعتبتين الحسينيّة والعبّاسية المقدّستين والى اللّجنة المنظّمة لهذا المهرجان التاريخيّ، والى كلّ من عمل بجهدٍ وعناء لاستضافة ضيوفكم من أنحاء العالم طوال فترة وجودنا معكم، هنا شعرنا بوضوح بحبّ ودفء الشعب العراقي الذي عبّر عنه بالترحيب الحارّ والضيافة”.
وأضاف: “كنت أريد أن أزور العراق منذ سنين عديدة ولكن لم تسنح لي الفرصة، لذلك فرحت عندما تلقّيت الدعوة للمشاركة في هذا المهرجان العظيم، وبهذه المناسبة التاريخية لهذه السنة ومع أنّ طبيبي لم يكن يريد لي المشاركة لأنّني كنت أتعافى من حادث سير، فقد توسّلت اليه للسماح لي بالحضور بسبب الأهمّية الفريدة لهذه المناسبة، ولأنّ طبيبي بالصدفة كان عراقيّ الأصل فقد تفهّم مباشرة أهمّية هذه الدعوة”.
وتابع: “لكن لمّا نزلت في مطار مدينة النجف الأشرف لم أكن مستعدّاً لما كنت سأراه، فبعد زيارة العتبة العلويّة المقدّسة في النجف سرنا في الطريق من النجف الى كربلاء، وكما تعلمون رأينا على طول هذا الطريق صورة بعد صورة من المواطنين العراقيّين الذين قتلهم الدواعش، كنت أعرف من قبل الإحصائيّات التقديريّة للّذين ضحّوا بأنفسهم ولكنّهم دخلوا في عمق قلبي لما رأيتُ من وجوه كلّ واحدٍ من المضحّين، فكّرت في أنّ كلّ واحدٍ منهم كانت له أمّ أو زوجة بكوا عليهم، والكثير منهم كان له أولاد سوف يتربّون يتامى، ثمّ وصلنا الى كربلاء مكان الشهادة والتضحية والبطولة، وفي هذا المكان تلقّتني حفاوة الشعب العراقي ومودّتهم، شعبٌ اكتشف القدرة على التعبير عن الحبّ والصداقة في وسط المآسي الجسيمة”.
مشيرا: “خلال الأيّام التي قضيناها معكم هنا وجدت جملة واحدة تمرّ في ذهني مراراً وتكراراً هي: انتصار الدم على السيف”.
مضيفاً: “إذا كنتُ أفهم معنى هذه الجملة فهماً صحيحاً فأظنّ أنّ الانتصار الأعظم ليس بقتل أعدائنا بل هو عندما نكون مستعدّين لنضحي بحياتنا حبّاً للآخرين طالبين من الرحمن أن يغفر للبشريّة، هذا هو الدرس الذي تعلّمته من شهادة الحسين عليه السلام كان يُمكنه أن يطلب من الله العون كي يقتل أعداءه ولكنّه اختار أن يضحّي بحياته لأجل الحبّ والغفران، وهذا هو الانتصار الأعظم”.
وأوضح كولن: “أنا كمؤمن باليسوع المسيح عليه السلام أرى هذا الحبّ عند المسيح، فيعتقد المسيحيّون بأنّه ضحّى بحياته بالحبّ لأجل الغفران للبشريّة، وتقول الإنجيليّة المقدّسة أنّه لمّا جاء أعداؤه بنيّة قتله، قال: “هل تظنّون أنّي لا أستطيع الآن أن أطلب من الربّ أن يُرسل لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة؟!” ولكنّه ضحّى بحياته بالحبّ قائلاً في دعائه: (اغفر لهم لأنّهم لا يعلمون ما يعملون)”.
واختتم: “هذا هو نوع الحبّ الذي لا يفهمه داعش، ولكنّي مقتنع بأنّ هذا النوع من الحبّ، الحبّ الذي ينبذ الانتقام حتّى لو كنت على حقّ، الحبّ الذي يضحّي بنفسه من أجل الآخرين ومن أجل الغفران، هذا الحبّ هو سرٌّ كسرّ الدائرة الشيطانيّة المكوّنة من العنف والكراهية التي تسعى لتدمير عالمنا اليوم، وأعتقد أنّي شاهدت هذا النوع من الحبّ في وجوه العراقيّين وفي مودّتهم هنا في كربلاء المقدّسة، فأشكركم على هذه الهديّة القيّمة”.
المصدر: شفقنا