7 ـ 8 ـ آيتا (الأسماء) و(الكلمات) ، في قوله تعالى :
( وَعَلَّمَ ءَادَمَ الاَْسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَـئِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِى بِأَسْمَآءِ هؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )([27])
وقوله تعالى :
( فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَّبِّهِ كَلِمَـت فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )([28])
حيث فسّرتا في عدد من الروايات بأهل البيت(عليهم السلام)([29]) ، وبذلك يمكن أن نضيف بُعداً آخر في أهل البيت يرتبط بأصل خلق الإنسان ووجوده على الأرض ، وامتيازه على بقية المخلوقات وتسخيرها له وخضوعها لوجوده ، فإن الأسماء هي التي أعطت آدم ـ باعتباره يمثل النوع الإنساني ـ هذا الإمتياز ، والكلمات هي التي أنقذت آدم من الغضب الإلهي ، وبها تحققت التوبة الإلهية عنه ، ومكنته في الاستمرار من الحياة على الأرض .
وقد يكون لذلك ارتباط ـ بما سوف نشير إليه ـ في أدوار الأئمة ، وما تحدثت عنه بعض أحاديث أهل البيت(عليهم السلام)المتقدمة آنفاً ، من أنَّ الإمامة أمان لأهل الأرض ، وأنَّه بدونها لساخت الأرض بأهلها ، وبذلك يكون لأهل البيت(عليهم السلام)دور خاص في حياة الإنسان وحركته الكونية ، وليس في الحالة الاجتماعية فحسب .
9 ـ سورة الانسان: ويكّمل ويوضّح الصورة في هذا المجال الآيات الكريمة التي وردت في سورة الإنسان ، وما ورد من نزولها في أهل البيت(عليهم السلام) ، حيث يفهم من ذلك بُعد آخر في أهل البيت ، وهو بُعد ما يسمى بـ(العلة الغائية) وتحقيق الهدف التكاملي لحركة الإنسان ووجوده ، وهو : (وجود الإنسان العابد الذي يمثل القمة في التكامل العبودي لله تعالى) ، هذا الهدف الذي يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى :
( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )([30])
ويصبح أهل البيت المثال والمصداق الكامل في تحقيق هذا الهدف الإلهي من خلق الجن والإنس .
وسورة الإنسان تتحدث بصورة واضحة عن بداية خلق الإنسان ، وأنَّه جاء من العدم أو النسيان ، حيث مضى حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ، وأن خلق هذا الإنسان كان من نطفة أمشاج ، وضع الله سبحانه وتعالى له قانوناً ، يحكم مسيرته في هذه الأرض وهو قانون الابتلاء في حركته وتكامله ، وميزه الله تعالى بالمواهب ، ومنها موهبة السمع والبصر ، اللتان تعبران عن موهبة العقل والعلم لديه ، ومنحه صفة الاختيار والإرادة ، فهو يختار الشكر أو الكفر ، وزاد عليه من فضله نعمة الهداية لهذا الإنسان .
وبعد أن يذكر القرآن الكريم هذا السياق في خلقة الإنسان ، وطبيعة السنة التي تحكم مسيرة الإنسان ، والمواهب التي منحها الله تعالى إياه ، ومنها : صفة الأختيار ، ونعمة الهداية الإلهية . . يشير إلى قسمين من الناس :
أحدهما : الإنسان الشاكر .
والآخر : الإنسان الكافر .
( إِنَّا هَدَيْنَـهُ السَّبِيلَ إِمــَّا شَاكــِرًا وَإِمــَّا كَفُورًا )([31]) .
ثم يتحدث القرآن الكريم عن مصير كل من القسمين ، فيبدأ بالحديث عن مصير الكافرين ويثنّي بالحديث عن مصير الشاكرين .
وتتجسد حركة الشكر هذه ومصيرها في عباد الله الأبرار ، الذين يذكرهم القرآن الكريم ، ومصيرهم في مثال إنساني كامل وهم أهل البيت(عليهم السلام)في قوله تعالى :
( إِنَّ الاَْبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآًء وَلاَ شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَـهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّـهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَ هُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الاَْرَآئِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلاَ زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِـَانِيَة مِّن فِضَّة وَأَكْوَاب كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّة قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَ نٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نِعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَـلِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُس خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّة وَسَقَـهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَشْكُورًا )([32]) .
ويبدو من (السياق) ، و(طريقة العرض) ، و(تأكيد الحديث) في وصف الشاكرين ، وتفصيل مصيرهم دون الكافرين . . أنَّ المقصود من هذه السور ، هو بيان الهدف من خلقة الإنسان ، في صورة مثال خارجي يجسد وجود الجماعة الشاكرة التي يطلق عليها القرآن الكريم في هذه الآيات ـ أيضاً ـ عنوان (الأبرار) و (عباد الله) .
أما (السياق) ، فإن الحديث عندما يكون عن الإنسان وأصل خلقه مما يشبه العدم ، وسنة وجوده ، وتعدد طريقه ، يشكل كل ذلك قرينة يفهم منها أنَّ الغرض من هذا الحديث هو بيان الغرض من هذه الخلقه ، ويؤيده ما جاء في قوله تعالى :
( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )([33])
وما ورد في نهاية قصة خلق آدم ، من قوله تعالى :
( قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّى هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَاىَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَايَتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَـبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـلِدُونَ )([34]) .
وأما (طريقة العرض) ، فيلاحظ فيها ـ في البداية ـ تقديم عنوان الشاكر على الكافر ، ولعل ذلك لشرفه على الكافر ، ولكنَّ في الحديث عنهما قدم الحديث عن الكافر على الحديث عن الشاكر ، في قوله تعالى :
( إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَـفِرِينَ سَلَـسِلاَْ وَأَغْلَـلاً وَسَعِيرًا )([35])
ولكن جاء الحديث عنه بصورة مختصرة ، أما الحديث عن الشاكرين ، فقد جاء فيه تفصيل ، مما يشعر بأنَّه الهدف الأساس من السورة هو الحديث عن الشاكرين .
وتتضح هذه القرينة ، عندما نقارن هذا المقطع مع مقاطع قرآنية أُخرى ، تحدثت عن هذين القسمين بشيء من التفصيل فيهما ، عندما يكون المقصود بيان المشاهد الأخروية لهما معاً ، كما يلاحظ ذلك في سورة الأعراف ، والزمر ، والغاشية ، وغيرها ، ففيهنّ قد أختلف العرض بصورة واضحة في التفصيل عن الكافرين دون المؤمنين ، مع تقديم الحديث عن الكافرين فيها .
وأما (تأكيد الحديث) في وصف الشاكرين ، فيلاحظ فيه أنَّ القرآن الكريم استخدم :
أولاً : عنواني (العباد) و (الأبرار) ، وليس مجرد عنوان (الإيمان) وهما من العناوين الخاصة التي تدل على الدرجة العالية من الكمالات الإلهية في العبودية لله تعالى([36]) .
وثانياً : قرن الوصف المفهومي العام بتجسيده في مصداق خارجي ـ كما هو ظاهر العرض ـ يتصف بدرجة عالية من الأخلاق والحب والوفاء والتضحية والبذل والرحمة والخوف من الله تعالى والرجاء له ، ثم الدرجة العالية من الأجر والثواب والجزاء له .
ويجمع المفسرون من جماعة أهل البيت ، كما يذكر جمع من المفسرين وأهل الحديث من الجمهور([37]) ، أنَّ هذا المصداق هو أهل البيت(عليهم السلام)الذين نذروا الصوم لله تعالى ثلاثة أيام ، وتعرضوا للسائلين الثلاثة (المسكين واليتيم والأسير) ، وبذلهم لطعامهم المعد من الشعير للإفطار ، الذي كانوا قد حصلوا عليه بالقرض أو الأجر ، وهم لا يجدون غيره ، ويطوون أيامهم الثلاثة على الماء وحده .
إذن ، فالهدف الذي تذكره هذه السورة ، لخلق الإنسان ووجوده وحركته في هذه الحياة ، هو إيجاد الإنسان الشاكر الكامل في شكره ، والعابد الكامل في عبوديته وعبادته ، والبار الكامل في بره .
وإنَّ التجسيد لذلك خارجاً ، إنَّما هو في هذا المصداق والمثال الإنساني المتمثل بأهل البيت(عليهم السلام) .
وهذا الفهم لهذا البعد في أهل البيت(عليهم السلام)هو ما تؤكده ـ أيضاً ـ مجموعة كبيرة من النصوص الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله)وأهل البيت(عليهم السلام).
وبذلك تتكامل النظرية في أهل البيت قرآنياًـ كما ذكرنا ـ وتتكامل الصورة لأهل البيت(عليهم السلام)وموقعهم وحقيقتهم في أبعادها المتعددة التي شرحتها الروايات ، ويستدل عليها من القرآن الكريم بهذه الآيات الكريمة التي ذكرناها .
المصدر: سایت السبطین
________________________________
([27]) البقرة : 31 .
([28]) البقرة : 37 .
([29]) في مجمع البيان 1 : 89 ، قال : عن مجاهد عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) : « . . . أنَّ آدم رأى مكتوباً على العرش أسماء معظمة مكرمة فسأل عنها فقيل له : هذه اسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى والأسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فتوسل آدم(عليه السلام)إلى ربه بهم في قبول توبته . . . » .
عن علي(عليه السلام) قال : « سألت النبي((صلى الله عليه وآله)) عن قول الله : (فتلقى آدم من ربه كلمات)فقال إنَّ الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدة . . فعليك بهذه الكلمات فان الله قابل توبتك وغافر ذنبك قل : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد ، سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم . . . » ، كنز العمال 2 : 358 ، برقم : 4237 .
الدر المنثور 1 : 147 ، (فتلقى آدم من ربه كلمات) ، قال : «وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال : سألت رسول الله((صلى الله عليه وآله)) عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ، قال : سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليَّ فتاب عليه» .
([30]) الذاريات : 56 .
([31]) الإنسان : 3 .
([32]) الإنسان : 5 ـ 22 ، يراجع في نزول الآيات تفسير القمي 2 : 398 ـ 399 مجمع البيان 5 : 404 ـ 405 ، وأخرج ابن مردوية عن ابن عباس في قوله : ( ويطعمون الطعام على حبه) الآية ، قال : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله((صلى الله عليه وآله)) ، الدر المنثور 8 : 371 ، طبعة دار الفكر .
([33]) الذاريات : 56 .
([34]) البقرة : 38 ـ 39 .
([35]) الإنسان : 4 .
([36]) يراجع بهذا الصدد في توضيح ذلك ، تفسير الميزان 1 : 428 ـ 430 ، في تفسير آية : 177 ، من سورة البقرة .
([37]) ومنهم ابن الأثير في أسد الغابة 6 : 236 ، برقم : 7202 ، طبعة دار الفكر ، والزمخشري في الكشاف 4 :197 ، والواحدي في أسباب النزول : 470 ، والفخر الرازي في تفسيره الكبير 30 : 244 ، والمحب الطبري في الرياض النضرة 3 : 280 ـ 209 ، والسيوطي في الدر المنثور 7 : 371 ، والشبلنجي في نور الأبصار : 124 ـ 126 ، فليراجع فضائل الخمسة 1 : 301 ـ 305 ، ومواضع تفسير هذه السورة من كتب التفسير المذكورة .