إنّ أهل البيت(ع) هم عنوان واضح المعالم في حياة الإنسانية، وعنوان شامخ في حركة التاريخ والمسيرة الإسلامية، لهج بذكرهم المسلمون على اختلاف انتماءاتهم وولاءاتهم، وهم أعلام الهدى وقدوة المتّقين، وهم مأوى أفئدة المسلمين من جميع أقطار الأرض، عرفوا بالصدق والاخلاص والوفاء والحلم، وكانوا قمة في العلم والحكمة، وقد شهد لهم بذلك الموافقون والمخالفون، وتحدّث الكثير من المعاصرين لهم والرواة والمؤرّخين، عن مقامهم الكريم ودورهم السامي والريادي في حركة المسلمين، وكانت لهم مكانة خاصّة عند الأدباء والشعراء وعند العابدين والزاهدين.
وقد كانوا من الناحية العلمية مرجعاً علمياً للكثير من فقهاء زمانهم ومن أئمة المذاهب، وفي مقدمتهم مالك بن أنس، وأبو حنيفة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وغيرهم.
وعلى ضوء ذلك فإنّ ما يصدر عنهم يعتبر دستوراً واقعياً، ولهذا فإنّ ما صدر عنهم من إثبات مرجعيتهم العلمية دليل على هذه الحقيقة، وقد ظهر ذلك من خلال أقوالهم وأحاديثهم مع الموافقين والمخالفين.
فقد ورد عن الإمام الحسن(ع) أنـّه خطب الناس بالكوفة، فقال: ( يا أهل الكوفة اتّقوا الله فينا فإنّا اُمراؤكم، ونحن ضيفانكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم: ) إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(1)(2).
فقد أشار(ع) إلى دور أهل البيت (ع)، وهو دور الريادة والإمامة وهي من اختصاص الأعلم.
وخطب الإمام الحسن(ع) بعد البيعة له بالأمر، فقال: «نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسوله الأقربون، وأهل بيته الطيّبون الطاهرون، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله(ص)في اُمتّه، والثاني كتاب الله، فيه تفصيل كلّ شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالمعوّل علينا في تفسيره لانتظنّا (3) تأويله، بل نتيقن حقائقه، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)(4) .
(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الاَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(5) .
(وأحذّركم الإصغاء لهتاف الشيطان فإنّه لكم عدوّ مبين)(6) .
فقد بيّن الإمام (ع) مرجعية أهل البيت (ع) العلمية، وأكدّ أنـّهم الثقل الآخر بعد كتاب الله، وأنـّهم المعوّل عليهم في تفسيره وبيان حقائقه.
وفي خطاب للإمام الحسين(ع) وجّهه إلى معاوية قال فيه: (… ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر، ومنعتنا عن آبائنا تراثنا، ولقد لعمر الله أورثنا الرسول عليه الصلاة والسلام ولادة) (7).
وفي تعليق ابن قتيبة الدنيوري على مرجعية الإمام الحسين(ع) قال: (سيّد أهل العراق فقهاً وحالاً وجوداً وبذلاً)(8).
وروى الطبرسي، أنّ الإمام الحسين(ع) حجّ ـ قبل موت معاوية بسنتين ـ فقام خطيباً في بني هاشم وفي أصحاب رسول الله وأبنائهم والتابعين ومن الأنصار المعروفين بالصلاح فقال: (أمّا بعد فإنّ الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم وشهدتم وبلغكم، وأنّي أريد أن أسألكم عن أشياء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكّذبوني، إسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم مَن أمنتموه ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب، والله مُتمّ نوره ولو كره الكافرون).
فما ترك الحسين شيئاً أنزله الله فيهم من القرآن إلاّ قاله وفسّره، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه وأمّه وأهل بيته إلاّ رواه (9) .
وفي خطابه (ع) أمام والي المدينة من قبل يزيد، قال(ع): (إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله) (10).
وبيّن الإمام الحسين(ع) في خطاب له، أولوية أهل البيت(ع) في قيادة وإمامة وخلافة الأمّة، وهي أولوية تستلزم الأولوية العلمية، فقال: ( ونحن أهل بيت محمّد(ص) أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم) (11) .
وأكدّ الإمام علي بن الحسين(ع) هذه المرجعية فقال: ( نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغرّ المحجّلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة وتخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها)(12).
وقال(ع): ( فضّلنا الله أهلَ البيت بستّ خِصال: فضّلنا بالعلم والحلم والشجاعة والسماحة والمحبّة والمحلّة في قلوب المؤمنين; وآتانا ما لم يؤت أحداً من العالمين من قبلنا، فينا مختلف الملائكة وتنزيل الكتاب) (13) .
وفي إرجاع المسلمين إلى أهل البيت(ع) كمرجعية علمية من قبل الإمام محمّد الباقر(ع)، روي عن سدير قال: قلت لأبي جعفر(ع) إنّي تركت مواليك مختلفين يتبرء بعضهم من بعض، فقال: «وما أنت وذاك، إنّما كُلِّف الناس بثلاثة: معرفة الأئمّة والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه»(14).
وقال (ع): «نحن حجّة الله، ونحن باب الله، ونحن لسان الله، ونحن وجه الله، ونحن عين الله في خلقه، ونحن ولاة أمر الله في عباده» (15).
وعنه(ع) قال: «عُلّمنا أسماء من أسماء الله تعالى; نسأل بها فنعطى وندعو فنجاب» (16).
ولمّا نزلت: (…فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ)(17) قال علي: «نحن أهل الذكر»(18).
وعن الحرث قال: سألت علياً عن هذه الآية. قال: «والله إنّا لنحن أهل الذكر، نحن أهل العلم، ونحن معدن التأويل والتنزيل»(19) .
وعن الإمام محمّد الباقر(ع) قال: «هم الأئمة من عترة رسول الله»(20).
وقال(ع) في قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، قال: «نحن أهل الذكر»(21) .
وقال أيضاً: «إنّا أهل بيت عندنا معاقل العلم، وأبواب الحكم وضياء الأمر» (22) .
وفي إرجاع المسلمين إلى أهل البيت (ع) كمرجعية علمية، وكمرجعية شاملة قال(ع): «… إذا جاءكم عنّا حديث، فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به، وإلاّ فقفوا عنده، ثم ردّوه إلينا حتى يستبين لكم… » (23).
وقال(ع) لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: «شرِّقا وغرِّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج منّا» (24).
وقال (ع): «إنّ الأرض لن تخلو إلاّ وفيها عالم منّا، فإن زاد الناس قال: قد زادوا، وإن نقصوا قال: قد نقصوا، ولن يخرج الله ذلك العالم حتى يرى في ولده من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله» (25).
وقال(ع): «نحن ولاة أمر الله وخزّان علم الله، وورثة وحي الله، وحملة كتاب الله، طاعتنا فريضة، وحبّنا إيمان وبغضنا كفر، محبّنا في الجنة، ومبغضنا في النار»(26).
وفي عهد الإمام جعفر الصادق(ع) حدث انفراج نسبي، فاستثمر(ع) الفرصة المؤاتية في أواخر الدولة الأموية، وفي بداية الدولة العباسية، فنشر أحاديثه التي تتعلّق بمرجعية أهل البيت(ع).
فقد قال الإمام جعفر الصادق(ع): «إنّ لله علمين: علم مكنون مخزون لا يعلمه إلاّ هو، من ذلك يكون البداء، وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه، فنحن نعلمه» (27) .
وفي معرض إشارته إلى علمه (ع) قال: «والله إنّي لأعلم كتاب الله من أوّله إلى آخره، كأنّه في كفي فيه خبر السماء، وخبر الأرض، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن» (28) .
وقال(ع): «كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، ونحن نعلمه» (29).
وأكدّ(ع) إنّ ما يملكه أهل البيت(ع) من علم قد أخذوه عن رسول الله عن الله سبحانه وتعالى، فقال: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ»(30) .
وقال(ع): «الحمد لله الذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، وأكرمنا به، فنحن صفوة الله على خلقه، وخيرته من عباده، فالسعيد مَن اتّبعنا، والشقي من عادانا وخالفنا» (31).
وقال(ع): «لا تخلو الأرض من عالم منّا ظاهر، يفزع الناس إليه في حلالهم وحرامهم» (32).
وقال(ع): «إنّا أهل بيت عندنا معاقل العلم، وآثار النبوة، وعلم الكتاب، وفصل ما بين الناس»(33).
وربط(ع) بين الأخذ بأحاديثهم وبين الرشد والنجاة، فقال: «تزاوروا فإنّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكراً لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها، وأنا بنجاتكم زعيم» (34).
وفي تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(35).
قال الإمام الصادق(ع): (نزلت في حقّنا وحقّ ذرّياتنا خاصة).
وفي رواية عنه وعن أبيه (ع): (هي لنا خاصة وإيّانا عنى).
وفي رواية عن الإمام الباقر(ع): (هم آل محمّد).
وفي جواب الإمام الرضا(ع) للمأمون قال: «أراد الله بذلك العترة الطاهرة لا غيرهم» (36).
ودخل الحسن بن صالح بن حيّ على الإمام جعفر الصادق(ع) فقال له: ياابن رسول الله ما تقول في قوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْمْرِ مِنْكُمْ)(57).
مَن أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم؟
قال: (العلماء) .
فلما خرجوا، قال الحسن: ما صنعنا شيئاً، ألا سألناه من هؤلاء العلماء؟ فرجعوا إليه فسألوه، فقال: «الأئمة منّا أهل البيت»(38).
وعن الإمام الصادق(ع) في قوله (ومَن عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)(39).
قال: «أيّانا عنى وعليّ أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي(ص)»(40).
وأمر الإمام جعفر الصادق(ع) أتباعه بالرجوع إلى الإمام موسى الكاظم(ع) باعتباره مرجعاً علمياً لما يتمتع به من الفهم والعلم، فعن يزيد بن سليط الزيدي قال: لقينا أبا عبدالله(ع) في طريق مكّة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت وأمّي أنتم الأئمّة المطّهرون، والموت لا يبرى منه أحد، فأحدث لي شيئاً ألقيه إلى من يخلفني. فقال لي: «نعم هؤلاء ولدي وهذا سيّدهم وأشار إلى إبنه موسى(ع)، وفيه علم الحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه، فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم…»(41).
وقال الحسين بن عيسى: دخلت على أبي عبدالله(ع) أريد أن أسأله عن أبي الخطاب، فقال مبتدئاً: ما يمنعك أن تلقى ابني فتسأله عن جميع ما تريد.
قال: فذهبت إليه ـ أي الإمام الكاظم (ع) ـ وهو قاعد في الكتّاب وعلى شفتيه أثر مداد، فقال لي: يا أبا عيسى إنّ الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على النبوة، فلن يتحوّلوا عنها إلى غيرها أبداً، وأخذ ميثاق الوصيّين على الوصيّة فلن يتحوّلوا عنها إلى غيرها أبداً، وأعار قوماً الإيمان زماناً ثم سلبهم إيّاه، وإنّ الخطّاب ممّن اُعير الإيمان ثم سلبه الله إيّاه.
قال: فضممته إلى صدري، وقبّلته بين عينيه، وقلت: بأبي وأمّي ذريّة بعضها من بعض، أتيته فأخبرني مبتدئاً من غير أن أسأله عن شيء بجميع ما أردت.
قال(ع): «يا عيسى إنّ ابني الذي رأيته لو سألته عن ما بين دفتي المصحف لأجابك به بعلم»(42) .
وعن يعقوب بن جعفر قال: كنت مع أبي الحسن(ع) بمكة فقال له رجل: إنّك لتفسّر من كتاب الله ما لم نسمع به. فقال أبو الحسن: «علينا نزل قبل الناس، ولنا فسّر قبل أن يفسّر في الناس، فنحن نعرف حلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه وسفريّه وحضريّه، وفي أيّ ليلة نزلت كم من آية، وفيمن نزلت وفيما نزلت، فنحن حكماء الله في أرضه، وشهداؤه على خلقه… » (43).
وراسل الإمام (ع) بعض أتباعه مؤكّداً هذه المرجعية، ومنهم، علي بن سويد، فقال في جواب له: «إستمسك بعروة الدين آل محمّد، والعروة الوثقى; الوصي بعد الوصي، والمسالمة لهم، والرضا بما قالوا…»(44).
وأشار الإمام موسى الكاظم(ع) إلى مرجعية الإمام الرضا(ع) العلمية، فقال: «إنّ ابني عليّاً أكبر ولدي وأبرّهم عندي، وأحبّهم إليّ، وهو ينظر معي في الجفر، ولم ينظر فيه إلاّ نبي أو وصي نبيّ»(45).
وقال الإمام الرضا(ع): «نحن حجج الله في خلقه، وخلفاؤه في عباده، واُمناؤه على سرّه، ونحن كلمة التقوى، والعروة الوثقى، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته، بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا وبنا ينزّل الغيث وينشر الرحمة، ولا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خافٍ، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله» (46).
وعن أحمد بن محمّد قال: «كتب إليّ أبو الحسن الرضا(ع): «عافانا الله وإيّاك أحسن عافية، إنّما شيعتنا من تابعنا ولم يخالفنا.
قال تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ)(47)، وقال: ( فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ)(48)، فقد فرضت عليكم المسألة والردّ إلينا، ولم يفرض علينا الجواب…»(49) .
ووجّه(ع) الأنظار إلى أعلمية الإمام الجواد(ع) بوراثته للعلم عنه وعن آبائه وأجداده فقال: «هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني; إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذّة بالقذّة» (50).
وقال(ع): «إنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيّاً صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السنّ الذي فيه أبو جعفر»(51).
وفي مرجعية أهل البيت(ع) العلمية، قال الإمام محمّد الجواد(ع) بسعد الخير: «إنّ الله جعل في كلّ من الرّسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون معهم على الأذى، يجيبون داعي الله ويدعون إلى الله فأبصرهم رحمك الله، فإنّهم في منزلة رفيعة»(52).
وأشار الإمام العسكري(ع) إلى مرجعية أهل البيت(ع) العلمية، فقال: «قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية، ونوّرنا السّبع الطرائق بأعلام الفتوّة، فنحن ليوث الوغى وغيوث النّدى، وفينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والعلم في الآجل، وأسباطنا خلفاء الدين وحلفاء اليقين، ومصابيح الأمم، ومفاتيح الكرم»(53).
وعـن أبـي هاشــم الجعفــري أنــه ســـأل الإمــام الحســن العسكري(ع) عن قوله تعالى: (ثم أورَثنا الكتابَ الذينَ اصطَفَينا مِن عِبادنِا فمِنهُم ظالِمٌ لنَفسِهِ ومِنهُم مُقتَصِدٌ ومِنُهم سابَقٌ بالخَيراتِ)(54).
قال: «كلّهم من آل محمّد، الظالم لنفسه الذي لا يقرّ بالإمام، والمقتصد العارف بالإمام، والسابق بالخيرات الإمام»(55).
وورد توقيع عن الإمام المهدي(ع) جاء فيه: «… أوَما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون ويحدث في أئمتكم على الماضين والباقين منهم السلام، أوَما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم(ع) إلى أن ظهر الماضي(ع); كلّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه الله إليه ظننتم أنّ الله أبطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه كلاًّ ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون»(56).
وخلاصة الموضوع، إنّ تأكيد أهل البيت (ع) مرجعيتهم العلمية لم يأت بلا علم، بل اعتمدوا على القرآن الكريم والسنة الشريفة في تأكيد ذلك، وقد تناقلوا هذه الحقائق عن آبائهم وأجدادهم، عن أمير المؤمنين(ع) ، عن رسول الله(ص)، وهم قد أخذوا العلم عن آبائهم إمام عن إمام، وقد أثبت الواقع صحة ما نسب إليهم(ع)في تأكيد مرجعيتهم العلمية، فلم يظهر في الساحة العلمية شخص سواهم يدّعي أنّه أعلم منهم، بل كان الكثير من العلماء والفقهاء يرجعون إليهم في مختلف مجالات العلم والمعرفة.
المصدر: سایت الشیعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ