بسم الله الرحمن الرحيم
المدخل:
لا اعتقد أنّ بحثاً من البحوث الاسلامية قد نال اهتمام العلماء كموضوع المهدي المنتظر(عليه السلام)، فقد بُحث من جميع جوانبه على ضوء الكتاب والسنّة، وبحث أيضاً في كثير من الاديان السماوية بل غيرها; لان الاعتقاد بظهور المنقذ والمصلح العالمي الذي يمثل جوهرة الفكرة المهدوية في الاسلام موجود في تلك الاديان، وأيضا فهي فكرة قديمة وغير خاصة بالاسلام.
وقد تعرض القرآن الكريم لهذه القضية في آيات عديدة منها قوله تعالى:
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الارْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ )([1]) فالزبور كتاب داود، والذكر هو التوراة كما جاء في التفاسير ، ولابد أن يتحقق هذا الوعد الالهي يوماً ما، وإن كان هذا اليوم هو آخر يوم من عمر الدنيا كما ورد في الحديث النبوي الشريف
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملاها عدلاً كما ملئت جوراً»([2]).
ومنها قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ)([3]).
وهذه الاية وإن وردت في شأن بني إسرائيل قبل استيلائهم على زمام الاُمور بعد تخلصهم من قبضة الفراعنه ـ ولكن التعبير بالفعل المضارع (ونريد) يشير الى ارادة إلهية مستمرة، ولذا طبقت الاية في كثير من النصوص المأثورة عن النبي(صلى الله عليه وآله)وأهل بيته على ظهور المهدي(عليه السلام) .
إنّ هذه الايات وغيرها([4]) تشهد بأن العالم الانساني في نهاية المطاف سيقع أمره بأيدي عباد الله الصالحين، وهذا أمر لا تختلف فيه الاديان والمذاهب، وهذه الحقيقة من شأنها أن تساعد على اسقاط أربع شبهات في المسألة المهدوية في آن واحد.
فهي توضح أوّلاً: بطلان الشبهة القائلة باختصاص الشيعة بالقول بالمهدوية.
وتوضّح ثانياً: بطلان الشبهة القائلة بأن المهدوية اُسطورة، إذ لا اُسطورة تتبناها الاديان السماوية وغير السماوية، ويتبناها العلماء والمفكرون والفلاسفة.
وتوضّح ثالثاً: بطلان الشبهة القائلة بأن اليهود هم مؤسسو الفكرة المهدوية ، لانها موجودة قبل اليهود .
كما توضّح رابعاً: بطلان الشبهة القائلة بأن الفكرة المهدوية وليدة الضغط السياسي الذي عاشه أتباع أهل البيت(عليهم السلام) ، إذ ما أكثر المظلومين والمضطهدين الذين لم تعرف عنهم هذه العقيدة ، وما أكثر الافراد والجماعات التي آمنت بهذه الفكرة بدون معاناتهم للظلم والاضطهاد. ولا تنكر دور الاضطهاد في دفع المؤمنين للتمسك الشديد بالقضية المهدوية.
والان نسأل عن مصداقية هذا المنقذ والمصلح العالمي، وفي هذا البحث لابد من الرجوع الى روايات النبي(صلى الله عليه وآله) الواردة في مصادر المسلمين، ولا سيما مصادر أهل البيت(عليهم السلام)المؤيدة والسائرة على طريق النبي(صلى الله عليه وآله)، ليتّضح أن ذلك المصلح العالمي العظيم هو المهدي المنتظر من آل محمد(صلى الله عليه وآله)، والذي وعدت البشرية بأنه يملا الدنيا عدلاً بعد أن تملا ظلماً وجوراً.
ونحن حينما نبحث في القضية المهدوية في المصادر الاسلامية تارة نُطالب بالدليل والبرهان لاثبات هذه الحقيقة واُخرى نبحث عن خصائص المهدي من كيفية ولادته وإمامته المبكرة، وغيبته الطويلة المستلزمة لعمره الطويل، وثالثة نبحث عن الفائدة من الاعتقاد بهذا المبدأ ، فهنا ثلاثة جوانب نبحثها في ثلاثة فصول.
الفصل الاوّل: المهدي في نصوص النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) .
الفصل الثاني: خصائص المهدي في نصوص النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) .
الفصل الثالث: الفوائد المترتبة على الاعتقاد بالقضية المهدوية بخصائصها التي وردت في نصوص النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) .
المصدر: سایت السبطین
__________________________________
([1]) الانبياء: 105 .
([2]) صحيح الترمذي: 2/64 و مسند أحمد بن حنبل: 1/378 .
([3]) القصص: 5 .
([4]) النور: 55، التوبة: 33، قوله تعالى: (ليظهره على الدين كلّه).