هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي ، ولّى أمير المؤمنين (عليه السلام) عمّ المختار والياً على المدائن وذهب مع عمّه . ورحل بعد الصلح إلى المدينة وكان يجالس محمد ابن الحنفية ويأخذ منه الأحاديث ، ثم رجع إلى الكوفة ، وبعد مجيء مسلم بن عقيل أسكنه المختار داره وبايعه وأخذ يجمع له الأنصار . ولمّا قتل مٍٍٍُسلم القي القبض عليه واودع السجن، وكان معه في السجن ميثم التمار الذي حدّثه بما سيكون منه في مستقبل عمره من قتل المجرمين من قتلة الحسين (عليه السلام) والأخذ بثأره . وتشفّع عبد الله بن عمر لإخراج المختار من السجن وكان عبد الله زوجاً لاُخت المختار ، فُقبِلَت شفاعته واُخرج من السجن.
وكان المختار في صباه يحظى برعاية أمير المؤمنين (عليه السلام) لما كان يعلمه أنّه الآخذ بثأر ولده الحسين (عليه السلام) ، فعن الاصبغ قال: رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين وهو يمسح رأسه ويقول : «ياكيّس ياكيّس» [1].
وكان المختار يعلم أنّه الآخذ بثأر الحسين (عليه السلام)، فكان يصرّح بذلك ويتحدّث به أمام الناس بعد مقتل الحسين (عليه السلام) ، حتى وصل خبره إلى مسامع الحجّاج والي الاُمويين على العراق فأخذه وحبسه وحاول قتله مراراً ولكنه لم يستطع لذلك سبيلاً. وكان الإمام السجّاد يتحدّث بذلك لخواصّه. فسألوه مرّة: يا ابن رسول الله إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ذكر من أمر المختار ولم يقل متى يكون قتله لمن يقتل؟ فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : «صدق أمير المؤمنين أولا اُخبركم متى يكون؟» قالوا: بلى. قال: «يوم كذا إلى ثلاث سنين من قولي هذا. وسيؤتى برأس عبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن في يوم كذا وكذا وسنأكل وهما بين أيدينا ننظر إليهما».
قال: فلمّا كان اليوم الذي أخبرهم أنّه يكون فيه القتل من المختار لأصحاب بني اُمية كان علي بن الحسين (عليه السلام) مع أصحابه على مائدة إذ قال لهم: «معاشر اخواننا طيبوا أنفسكم ، فإنّكم تأكلون وظلمة بني اُمية يُحصدون».
قالوا: أين؟ قال: «في موضع كذا يقتلهم المختار، وسيؤتى برأسين يوم كذا وكذا».
فلمّا كان في ذلك اليوم اُتي بالرأسين لمّا أراد أن يقعد للأكل، وقد فرغ من صلاته. فلمّا رآهما سجد وقال: «الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني». فجعل يأكل وينظر إليهما. فلمّا كان في وقت الحلوى لم يأت بالحلوى لأنّهم كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين. فقال ندماؤه: ولم يُعمل اليوم الحلوى؟ فقال علي بن الحسين (عليه السلام): «لا نريد حلوى أحلى من نظرنا إلى هذين الرأسين» [2].
وروي عن عمر بن علي بن الحسين أنّ علي بن الحسين (عليه السلام) لمّا اُتي برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد خرّ ساجداً وقال: «الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي وجزى المختار خيراً» [3] .
وعنه أيضاً : أنّ المختار أرسل إلى علي بن الحسين (عليه السلام) بعشرين ألف دينار فقبلها وبنى بها دار عقيل بن أبي طالب ودارهم التي هُدمت [4].
ولم يكن يسع الإمام السجّاد (عليه السلام) أن يؤيّد المختار علانيةً وجهاراً وهو في مدينة جدّه أعزل لا حامي له ولا نصير ، وكان المختار قد أوقع خسائر فادحة في الاُمويين وقتل منهم مقتلة عظيمة وضعضع أركان الدولة الاُموية بسبب القتل الذريع الذي لحق بالاُمويين وأنصارهم ، ولهذا ربّما صدرت بعض الكلمات أو المواقف الحذرة من المختار أمام أعوان السلطة الاُموية وجواسيسها، بينما كان يصرّح (عليه السلام) أمام خواصّ أصحابه بمدح المختار. وكذا فعل الامام الباقر (عليه السلام) في ايام الحكومة الاُموية.
فعن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «لا تسبّوا المختار فإنّه قتل قتلتنا، وطلب ثأرنا، وزوّج أراملنا، وقسّم فينا المال على العسرة». وروي أنّه دخل جماعة على أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وفيهم عبد الله بن شريك، قال: فقعدت بين يديه إذ دخل شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبّلها فمنعه. ثم قال: مَن أنت؟ قال: أنا أبو الحكم بن المختار بن ابي عبيد الثقفي. وكان متباعداً منه (عليه السلام) فمدَّ يده فأدناه. فقال: أصلحك الله إنّ الناس قد أكثروا في أبي، والقول والله قولك. قال: «وأيّ شيء يقولون؟» قال: يقولون كذّاب، ولا تأمرني بشيء إلا قبلته. فقال: «سبحان الله! أخبرني أبي أن مهر اُمّي ممّا بعث به المختار إليه، أو لم يبنِ دورنا، وقتل قاتلنا ، وطلب بثأرنا؟! فرحم الله أباك - وكرّرها ثلاثاً - ماترك لنا حقّا عند أحد إلا طلبه»[5] .
وأنّه لمن الحكمة الإلهية البالغة أن يكون الثائر الحسيني زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) الذي واصل مسيرة الثورة ودق مسامير النعش الاُموي هو ابن الجارية التي أهداها المختار إلى الإمام السجّاد (عليه السلام). فعن الأصبغ بن نباتة أنّه رأى وهو عند الإمام السجّاد (عليه السلام) صبي وقع في عتبة الباب فشج رأسه، فوثب إليه الإمام مهرولاً وقال وهو ينشّف الدم عنه: «اُعيذك أن تكون المصلوب في الكناسة». ثم ساق الحديث إلى ان قال: فقلت: جعلت فداك ما اسم هذا الغلام فقال: «ابني زيد». ثم دمعت عيناه وقال: «لأحدّثُك بحديث ابني هذا. بينا أنا ليلة ساجد وراكع ذهب بي النوم فرأيت كأنّي في الجنّة، وكأن رسول الله وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين قد زوّجوني حوراء من حور العين، فواقعتها واغتسلت عند سدرة المنتهى وولّيت، هتف بي هاتف: ليهنئك زيد.
فاستيقظت وتطهّرت وصلّيت صلاة الفجر فدقّ الباب رجل فخرجتُ إليه فإذا معه جارية ملفوف كمّها على يده مخمّرة بخمار. قلت: حاجتك؟ قال: اُريد علي بن الحسين. قلت: أنا هو. قال: أنا رسول المختار بن ابي عبيد الثقفي يقرئك السلام ويقول : وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار، وهذه ستمائة دينار فاستعن بها على دهرك . ودفع إليّ كتاباً كتبتُ جوابه. وقلت: ما اسمك؟ قالت: حوراء. فهيّؤها لي وبتُّ بها عروساً، فعلقت بهذا الغلام فأسميته زيداً» [6] .
وعلى كل حال فإنّ حركة المختار لهذا السبب كانت محسوبة على محمد بن الحنفية الذي كان مقيماً في مكة التي كانت تحت نفوذ عبد الله بن الزبير. وكان الإمام السجاد (عليه السلام) قد أوكل الرجوع في أخذ ثأر أبيه الحسين (عليه السلام) إلى عمّه محمد بن الحنفية، قال جعفر بن نما: رويت عن والدي أنّ محمد بن الحنفية قال لوفد أهل الكوفة الذين جاءوا يستوثقون منه أنّ المختار مرضيّ منهم ومبعوث من قبلهم : قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم علي بن الحسين. فلمّا دخل ودخلوا عليه أخبر خبرهم الذي جاءوا لأجله فقال (عليه السلام): «يا عم لو أنّ عبداً زنجيّاً تعقب لنا أهل البيت لوجب على الناس مؤازرته، وقد وليّتك هذا الأمر فاصنع ما شئت». فخرجوا وقد سمعوا كلامه وهم يقولون: أذن لنا زين العابدين ومحمد ابن الحنفية.
وكان المختار علم بخروجهم إلى محمد بن الحنفية، وكان يريد النهوض بجماعة الشيعة قبل قدومهم، فلمّا تهيّأ ذلك له وكان يقول: إنّ نفيراً منكم تحيّروا وارتابوا، فإن هم أصابوا أقبلوا وأنابوا، وإن هم كبوا وهابوا واعترضوا وانجابوا فقد خسروا وخابوا. فدخل القادمون من عند محمد بن الحنفية فقال ما وراءكم فقد فتنتم وارتبتم؟ فقالوا: قد اُمرنا بنصرتك. فقال: أنا أبو اسحاق اجمعوا إليّ الشيعة. فجمع من كان قريباً فقال: يا معشر الشيعة إنّ نفراً أحبّوا أن يعلموا صدق ما جئت به فخرجوا إلى إمام الهدى والنجيب المرتضى وابن المصطفى المجتبى - يعني زين العابدين (عليه السلام) - فعرَّفهم أنّي ظهره ورسوله وأمركم باتّباعي وطاعتي[7] .
المصدر:سایت السبطین
--------------------------------------------------------------------------------
[1] بحار الأنوار 45 : 344 | 11.
[2] بحار الأنوار 45 : 342 | 6.
[3] بحار الأنوار 45: 344| 13.
[4] بحار الأنوار 45: 352.
[5] بحار الأنوار 45: 351.
[6] بحار الأنوار 45: 352.
[7] بحار الأنوار 45: 365.