أ ـ التحريف في مجال تفسير القرآن الكريم
كان التعامل مع النص القرآني وتفسيره يعتمد الرأي أو الروايات الاسرائيلية ويوظّف لصالح سياسة الخليفة ومن الامثلة على ذلك:
1 ـ استخدم المجبّرة النصوص القرآنية لتأييد نظريتهم مثل قوله تعالى : ( والله خلقكم وما تعملون ) [1]
، زاعمين أن القرآن يدلّ على أن الله يجبر العباد على أعمالهم..
2 ـ اما عقيدة التجسيم التي بُنيت على التعامل مع القرآن على اساس الجمود على ظواهر النصوص فلا تتجاوز المعنى الحرفي للفظ حتى أخذت تصرّح بـأن لله يداً ووجهاً محتجّة بقوله تعالى : ( يد الله فوق أيديهم ) [2]
وقوله: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ) [3]
وقالوا بالرؤية البصرية لله تعالى استناداً الى قوله تعالى : ( وجوه يؤمئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) [4]
.
واعتماد هذه التفاسير والقصص الاسرائيلية في تفسير الآيات المباركة هو السبب في هذه الصور المشوّهة . فقد جاء في تفسير القرطبي عن كعب الاحبار إنه قال: لما خلق الله العرش قال العرش : لم يخلق الله أعظم مني واهتز تعاظماً فطوّقه الله تعالى بحية لها سبعون ألف جناح، في كل جناح سبعون ألف ريشة ، في كل ريشة سبعون ألف وجه ، في كل وجه سبعون ألف فم ، في كل فم سبعون ألف لسان يخرج من أفواهها كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر ، لا2وعدد ورق الشجر ، وعدد الحصى والثرى ، وعدد أيام الدنيا وعدد الملائكة أجمعين ، والتوت الحية على العرش، فالعرش الى نصف الحية وهي ملتوية عليه فتواضع عند ذلك [5]
.
وقال معاوية لكعب أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا ؟ فقال له كعب : إن كنت قلت ذلك فإن الله قال : ( وآتيناه من كل شيء سبباً ) [6]
.
هذا هو التراث الحديثي والتفسيري والتأريخي المخلوط بالاسرائيليات وافتراءات الوضّاعين خدمة للحكّام. وقد دوّن هذا التراث بعد قرن من وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد رفع الحظر عمر بن عبد العزيز واعتمدت مدرسة الحديث اعتماداً مطلقاً على ما روي بدون تحكيم العقل حتى قالوا: ان السنة تنسخ القرآن والقرآن أحوج الى السنة من السنة الى القرآن، أما مَنْ يقول بأنّا نعرض الاحاديث على القرآن فهذا من أقوال الزنادقة كما يزعمون! [7]
.
ومن هنا نقف على بعض أسباب نشوء الانحرافات الفكرية وانتشارها بسرعة في المجتمع الاسلامي مثل الجبر والزندقة والغلو. ونشير الى كل منها تباعاً .
ب ـ التحريف في مجال الحديث النبوي الشريف:
ب ـ التحريف في مجال الحديث النبوي الشريف:
1 ـ جاء في صحيح الترمذي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لمعاوية : اللّهم إجعله هادياً مهدياً واهدبه [8]
.
2 ـ وعن عمير بن سعيد قال: لا تذكروا معاوية إلاّ بخير فإني سمعت رسول الله يقول : اللّهم أهدبه ؟ [9]
.
3 ـ وروى أحمد وأبو داود والبغوي والطبراني وغيرهم أن النبيّ قال: «عليكم بالشام فإنها خيرة الله من أرضه ، يجتبي إليها خيرته من عباده، إن الله قد توكل بالشام وأهله [10]
.
4 ـ وعن كعب الأحبار: أن النبيّ قال: أهل الشام سيف من سيوف الله ينتقم الله بهم ممّن عصاه [11]
.
5 ـ روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : «وصاحب سري معاوية بن أبي سفيان » [12]
.
6 ـ وقيل إنّ ابن أبي العوجاء ( وهو أحد الزنادقة ) لما اُخذ لتضرب عنقه قال: وضعت فيكم أربعة آلاف حديث ، اُحرّم فيها الحلال وأحلّ الحرام [13]
.
ج ـ التحريف في المجال التاريخي
ج ـ التحريف في المجال التاريخي
حاولت مجموعة من الروايات الموضوعة أن ترسم لنا شخصية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بصورة هزيلة ومتناقضة في سلوكها . منها :
1 ـ إن النبيّ كان يستمع الى الجواري يغنّين ويضربن الدفوف .
2 ـ ان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحمل زوجته عائشة على عاتقه لتنظر الى لعب السودان وخدّه على خدّها.
3 ـ إن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عشق زوجة ابنه بالتبنيّ بعد أن رآها بصورة مثيرة !. . [14]
.
الاتجاهات الفكرية المنحرفة
الاتجاهات الفكرية المنحرفة
1 ـ الجبر: عندما دعت الحاجة لصياغة علم الكلام والفقه والتفسير رجع المنظّرون لهذه الأفكار الى التراث الحديثي الذي قد يبدو منه الجبر من قبل الله للعباد فاستخدموه لخدمة الاُمويين تثبيتاً لدعائم سلطانهم فروّجوا عقيدة أن الجبر التي تعني نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته الى الرّب تعالى فكل ما يصدر من العبد من خير أو شر ينسب الى الله سبحانه ويقولون انه ليس لنا صُنع أي لسنا مخيرين بل نسير بارادة الله ومشيئته فاذا شاء الله أن نصلي صلينا واذا شاء أن نشرب الخمر شربناها. واستدلوا على ذلك بآيات قرآنية منها قوله تعالى : (وما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله ) [15]
. وقوله تعالى : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومَن يُرد أن يُضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً ) [16]
ومن الواضح أن المعتنق لهذه العقيدة يسمح لنفسه بارتكاب كل جريمة ومعصية من ترك الواجبات وانتهاك المحرّمات مثل شرب الخمر وارتكاب الزنا والسرقة والقتل ثم يقول شاء الله أن أسرق فسرقت وشاء الله أن أزني فزنيت وبهذا لا يكون للانسان كسب ولا إرادة ولا اختيار ولا تصرف فيما وهبه الله من نعمة العقل ، فكيف يكون له مطمع في ثواب أو خوف من عقاب [17]
.
2 ـ الزندقة : ومن الافكار التي ظهرت في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) فكرة الالحاد والزندقة ، ولا يستغرب أحد من نشوء هذه الفكرة المنحرفة في العالم الاسلامي وهو عالم التوحيد الخالص وإبّان قوته وفي وقت تتطلع سائر الاُمم للرسالة الاسلامية الخاتمة.
إنّ الظلم والفساد الذي أشاعه الاُمويون في كل ميادين الحياة كان هو السبب في ظهور هذه الافكار المناقضة للفكر الاسلامي.
عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : تظهر الزنادقة سنة ثمانية وعشرين ومائة لأني نظرت في مصحف فاطمة(عليها السلام) [18]
.
كان السؤال والمناقشة للفكر الذي يتبناهُ الحكام ذنباً لا يغتفر وعلى الانسان أن يسمع ولا يفكر . أما الخلافة الاسلامية فتبلورت في طواغيت بني أمية وفراعنة بني العباس هذا الفساد الذي عم ميادين الفكر والسلوك شجع ظهور الفكر الالحادي كرفض للواقع الفاسد.
ومن هنا نشاهد ابن أبي العوجاء يعقد حلقاته الفكرية لغرض التشكيك في التوحيد وفي مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كان ينكر أصل الوجود ويقول: إن الوجود بدأ بإهمال . وكان الجعد بن درهم ممعناً في الكفر ومبتدعاً ومتفانياً في الزندقة وكان يعلن الالحاد [19]
ومن بدعه أنه جعل في قارورة تُراباً وماءاً فاستحال دوداً وهواماً فقال لاصحابه: إني خلقت ذلك لأني كنت سبب كونه . . وبلغ ذلك الإمام الصادق (عليه السلام) فردّه بأبلغ البرهان قائلاً : « إن كان خلقه فليقل كم هو ؟ وكم الذكران منه والاناث ؟ وكم وزن كل واحدة منهن ؟ وليأمر الذي يسعى الى هذا الوجه أن يرجع الى غيره » [20]
.
3 ـ الاعتزال : لقد تطرّف الخوارج والمرجئة في حكم مرتكب الكبيرة ، بعد تعارض التراث الحديثي والتفسيري مع العقل ، ثم عجزت الثقافة التي جمدت على ظواهر الحديث والقرآنمن الإجابة على الاسئلة التي فرضتها حالة الانفتاح على الحضارات الاخرى. ومن هنا تبلورت افكار المعتزلة تلبية لحاجة التطوّر المدني في البلاد الاسلامية وكثرة الاستفهامات التي كانت تثيرها الحركات الإلحادية فظهرت في هذا العصر فكرة الاعتزال التي رفضت الاعتماد على الحديث بشكل مطلق وهاجمت أهل الحديث لتعطيلهم العقل، وتكفيرهم كل من يبحث ويناقش .
الخط السياسي للاعتزال : كان الاعتزال مسانداً للحكم القائم في تلك العصور وقد خدم سياسة الحكام عندما أخذ يهاجم المقدسات في ضمير الاُمة وتفكيرها وذلك حين أقرّ المعتزلة بأن الإمامة والخلافة تتم للمفضول ويجوز تقديمه على الفاضل وبهذا استدلوا على شرعية خلافة الاُمويين والعباسيين.
قال أحمد أمين : تگن جرأة المعتزلة في نقد الرجال هو بمثابة تأييد قوي للاُمويين لأن نقد الخصوم ووضعهم موضع التحليل وتحكم العقل في الحكم عليهم اولهم يزيل على الاقل فكرة تقديس علي(عليه السلام) التي كانت شائعة عند جماهير الناس [21]
.
ولذا نالوا التأييد المطلق والدعم الشامل من قبل الاُمويين وبعد إنهيار الحكم الاُموي انضموا الى الحكم العباسي فكانوا من أجهزته واعوانه وكان المنصور يُكبر عَمْرو بن عبيد أحد كبار المعتزلة [22]
.
أما علاقتهم مع الشيعة فكانت في غاية من الخصومة. وترى الشيعة ان الاعتزال فكر طارئ على الاسلام لأن تقديم المفضول على الفاضل معناه الخروج عن منطق الحق وإماتة المواهب والقدرات فضلاً عن انّ هذا الاتجاه يُعارض القرآن الكريم الذي يقول : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ) [23]
.
إنّ الكوارث التي عانتها الاُمة على مدى تأريخها بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) تعود الى تقديم المفضول على الفاضل ، ولو لا ذلك لسار الفاضل بالاُمة سيراً سجُحاً ولأوردهم منهلاً رويّاً تطفح ضفتاه كما تنبّأت بذلك بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطابها المبكّر بعد تسنّم أبي بكر الخلافة والتربّع على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعزل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن هذا الموقع الريادي الذي عيّنه فيه رسول الاسلام .
4 ـ حركة الغلاة : تعتبر حركة الغلاة في نظر المؤرخين من أخطر الحركات هدماً وضرراً للمجتمع الإسلامي آنذاك لأنّها حركة سياسية عقائدية قد استهدفت ضرب الاسلام من الداخل ، كما أنّ دراسة هذهِ الحركة من قبل المؤرّخين لا زالت غامضة حتى اليوم ; إذ لم تدوّن أفكار هذهِ الحركة بأقلام دعاتها .
وحركة الغلاة لم تدم طويلاً لأنها ظهرت على المسرح السياسي ثم اختفت بسرعة وقد حاصرها الإمام الصادق (عليه السلام) حيث أدرك خطورتها فأعلن البراءة منها ومن مبادئها ولعن دعاتها كأبي الخطاب وحذّر الناس من أهدافها الخبيثة .
لقد نشطت هذه الحركة في أواخر الحكم الاُموي فبثّ أبو الخطاب أفكاره بسريّة في مدينة الكوفة في الوقت الذي كانت تموج بها التيارات السياسية ، والدعوة العباسية ناشطة في شق طريقها الى النجاح. وكان اختيار أبي الخطاب للكوفة لعلمه بأنها قاعدة لتجمع الموالين لأهل البيت(عليهم السلام) وبهذا يمكن تشويه هذه القاعدة الواعية وضرب اتباع أهل البيت عن هذا الطريق .
قال أبو عباس البغوي : دخلنا على فثيون النصراني وكان في دار الروم بالجانب الغربي ، فجرى الحديث الى أن سألته عن ابن كلاب فقال فثيون : رحم الله عبدالله (ابن كلاب ) كان يجيئني فيجلس الى تلك الزاوية ـوأشار الى ناحية من البيعة وهي الكنيسة ـ وعني أخذ هذا القول ، ولو عاش لنصّرنا المسلمين [24]
ـ أي لجعلناهم نصارى .
أن ظهور الروحاني بالجسد الجسماني أمرٌ لا ينكره عاقل : أما في جانب الخير، فكظهور جبرئيل (عليه السلام) ببعض الأشخاص ، والتصوير بصورة أعرابي ، والتمثّل بصورة البشر .
وأما في جانب الشر ، فكظهور الشيطان بصورة إنسان ، حتى يعمل الشر بصورته وظهور الجن بصورة بشر حتى يتكلم بلسانه . . فكذلك يقال : إن الله تعالى ظهر بصورة أشخاص ولما لم يكن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شخص أفضل من علي (رضي الله عنه) وبعده أولاده المخصوصون وهم خير البرية فظهر الحق بصورتهم ونطق بلسانهم وأخذ بأيديهم فعن هذا أطلقوا اسم الالهية عليهم ! ! وانما أثبتوا هذا الاختصاص « لعلي » (رضي الله عنه) دون غيره لأنه كان مخصوصاً بتأييد إلهي من عند الله تعالى فيما يتعلق بباطن الاسرار [25]
.
ثم زعم أبو الخطاب أن الأئمة أنبياء ثم آلهة! وقال بإلهية جعفر بن محمد! وإلهية آبائه (رضي الله عنهم) وهم أبناء الله وأحباؤه! والإلهية نور في النبوة والنبوة نور في الإمامة ، ولا يخلو العالم من هذه الآثار والأنوار. وزعم أنّ جعفراً هو الإله في زمانه ! ! وليس هو المحسوس الذي يرونه! ولكن لما نزل الى هذا العالم لبس تلك الصورة فرآه الناس فيها [26]
المصدر:سایت السبطین
____________________________________
[1]
الصافات : 96 .
[2]
الفتح : 10 .
[3]
الرحمن : 27 .
[4]
القيامة : 23 .
[5]
الجامع لاحكام القرآن : 15 / 282 .
[6]
تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 3 / 106 .
[7]
بحوث في الملل والنحل، جعفر السبحاني: 1/129.
[8]
صحيح الترمذي : 5 / 687 ، باب مناقب معاوية .
[9]
كنز العمال : 14 / 149 .
[10]
المصدر السابق .
[11]
اضواء على السنة المحمدية : 129 .
[12]
تطهير الجنان واللسان : 17 .
[13]
اضواء على السنة المحمدية : 21 .
[14]
صحيح البخاري : 1 / 169 ، وصحيح مسلم باب صلاة العيدين : 2 / 607 ، ومسند أحمد : 6 / 38 .
[15]
الانسان : 76 / 30 .
[16]
الانعام : 6 / 125 .
[17]
الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 2 / 122 .
[18]
بصائر الدرجات : 172 ، وبحار الأنوار : 26 / 123 واثبات الهداة : 5 / 175 .
[19]
ميزان الاعتدال : 1 / 399 ، لسان الميزان : 2 / 105 .
[20]
أمالي المرتضى : 1 / 284 .
[21]
فجر الاسلام : 295 .
[22]
تاريخ بغداد : 4 / 148 ـ 150 .
[23]
الزمر : 39 / 9 .
[24]
الفهرست لابن النديم : 255 ـ 256 .
[25]
الملل والنحل للشهرستاني: 1/168.
[26]
الملل والنحل للشهرستاني : 1/159.