(مقدمات في طريق إثبات الولادة)
المقدّمة:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين, والصلاة والسلام على رسوله وآله الطاهرين, واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين... اللهم وفقّنا وجميع المشتغلين.
لعلّ من هوان الدنيا على الله سبحانه, ومن مصائب الدهر أن نحتاج لإثبات ولادة المنتظر عجل الله فرجه الشريف, وما أشبه هذه المصيبة بمصيبة إثبات يوم الغدير... يوم الغدير الذي شهده مئات بل ألوف وسمعوا من النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) بل لم يكتف بهذا القول, وإنما أخذ بيد أمير المؤمنين عليه السلام وكشف عن الإمام بيده وعمّمه بعمامته وأخذ البيعة له وبقى فترة في الغدير, ثم بعد ذلك نضطر إلى إثبات سند الغدير.
من مصائب الدنيا وهوانها على الله سبحانه أن نحتاج إلى إثبات يوم الغدير, وكذلك من مصائب الدنيا _ كما قلت _ بدلاً من أن نجتمع لنستفيد مما ورد عن وليّ الله الأعظم أرواحنا فداه من كلمات ونصائح وأوامر, الذي هو أمل الإسلام, أمل الأنبياء عليهم السلام، أمل الرسل عليهم السلام وأمل الشهداء على مرّ التأريخ, هذا الإمام بدلاً من أن نستفيد ممّا صدر منه سلام الله عليه نريد أن نثبت ولادته.
على أي حالة وليست هذه المصيبة بأعظم من مصيبة كربلاء التي تحمّلها أهل البيت عليهم السلام كما تحمّل ما تحمّل أصحاب الأئمّة عليهم السلام والأئمّة عليهم السلام أنفسهم في حياتهم.
وليست هذه المصيبة بأعظم من مصيبة حرماننا وحرمان المسلمين من رؤية الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف في هذه الفترة, والدنيا مليئة بالمصائب, كما نقل عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: (الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات) ولو كانت الجنة محفوفة بالشهوات لما تخلّف أحد عن السعي للوصول إلى الجنة، أي لسعى الكل إلى الجنة.
نظرة على الشبهات:
الشبهات التي تثار حول الإمام الثاني عشر عليه السلام هي شبهات واهية ضعيفة ولا تستحق أن ينظر أحد فيها, ولكن كما قلت قبل قليل أنه ليست هذه المصيبة بأعظم من المصائب التي مرّت على أهل البيت عليهم السلام وعلى الإسلام وعلى دين الله سبحانه.
ونحن نشير فعلاً إلى بعض الشبهات ونمهّد المقدمات, وبعد تمهيد بعض المقدّمات نحاول أن نثبت أنّ حدوث ولادته وثبوتها كاد أن يكون أمراً وجدانياً لا يشك فيه إلاّ من ابتلي بالعمش ولا يرى الشمس.
وأبرز الشبهات أنّ بعض المؤرّخين, أو بعض أهل النسب, أو الذين يدّعون أنّهم من أهل الخبرة في النسب ينكر وجوده المادي, قائلين بأنّه _ أي الإمام العسكري عليه السلام _ لم يعلم له ولد, أو مات الإمام العسكري عليه السلام عقيماً... كما أنّ أخا الإمام العسكري جعفر أنكر, والطبري أنكر وابن تيمية أنكر في منهاج السنة الذي ملأه بالشتائم على الشيعة وخصوصاً على العلامة الحلي.
هذه عمدة الشبهات, وما عدا هذه الشبهات فمجرد استغرابات أو مبنيّة على عدم معرفة حقيقة الإمام عليه السلام.
فكما أنّ الله سبحانه وتعالى أعمى بصيرتهم عن فهم حقيقة النبي والنبوة كذلك الله تعالى أعمى بصائرهم وبصيرتهم عن فهم حقيقة الإمام عليه السلام.
عمدة هذه الشبهات:
أنّ بعض أهل النسب أنكر.
وجعفر الكذاب أنكر.
وسلطات ذلك الوقت هجموا على بيت الإمام العسكري عليه السلام فلم يجدوا الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف, الطفل الذي نحن الشيعة نسمّيه الإمام الثاني عشر المنتظر عليه السلام.
وأنّ الإمام العسكري عليه السلام أوصى بأمواله إلى والدته هو.
واختلاف أسماء أمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
هذه هي الشبهات, وكأنّ هذه الأمور تكسبهم دليلاً أو علماً على عدم وجود الإمام عليه السلام (العياذ بالله).
تمهيد:
ونحن قبل أن نحاول الردّ على هذه الشبهات نمهّد بعض المقدّمات:
المقدمة الأولى:
لا شكّ ولا ريب أنّ التواتر يفيد العلم عند جلّ الأصوليين, إلاّ من شذّ منهم, وهم من بعض أبناء العامة, وهم أيضاً استنكروا قول من يقول بأنّ التواتر لا يفيد العلم.
نعم بعضهم قالوا بأنّه يفيد علماً وجدانياً, كما ربّما يلوح من كلام الغزالي في كتابه المستصفى في علم الأصول, وبعض آخر ذكروا بأنّ التواتر يفيد الاطمئنان, أي يفيد علماً اطمئنانياً وليس علماً وجدانياً.
ولم يختلف أحد من العقلاء ممّن يعتنى بقوله وعقله في مجال العلم أنّ التواتر أفضل الأخبار وأحسن الأخبار, وهو العمدة في إثبات أمر بخبر.
ولا نتلف الوقت في إثبات أنّ التواتر يفيد العلم, ومعلوم أنّ طلابنا يدرسون في الحوزات أنّ التواتر ربّما يكون من اليقينيات, إذ أنّه في الكتب المنطقية البدائية بحث هذا, في الكتب التي ألّفها العامّة والخاصّة.
التواتر من الأمور التي يعتمد عليها العقلاء, بل تبتني عليها أمور الدين والدنيا في الجملة. هذا ممّا لا ينبغي الريب فيه.
إنما الكلام في بعض النقاط المهمة, فقد قالوا: التواتر قسم من الخبر, ويشترط في الخبر أن يكون المخبر يدرك المخبر عنه بأحد الحواس, كأن يرى بعينه أو يلمس بيده أو يسمع بأذنه وهكذا, هذا المعنى كأنّه اتفق عليه الكل.
ولكن هناك أمورٌ لا يمكن وصول الحواس الخمس إليها, أيّ من الحواس الخمس لا يمكن أن يصل إلى ذلك الشيء, فإذا كان الأمر من هذا القبيل لا يمكن للحواس الوصول إليه, فكيف يمكن إثباته بالأخبار أو بالشهادة أمام القاضي أو بالخبر الواحد أو بالخبر المتواتر؟!
فمثلاً عدالة العادل كيف يمكن إثباتها؟ خصوصاً بناءً على المعروف من أنّ العدالة ملكة, فكيف يشهد الشاهد بأنّ زيداً عادل، وكيف يمكن إثباته؟ فقالوا: إنّ هذا المخبر يعاشر زيداً معاشرةً تكشف عن خبيّات حاله بحيث يطمئن هذا المخبر _ هذا الشاهد _ بعدالة زيد, فإنه يُصبح مطلعاً ومطمئناً من عدالته من خلال ما يشاهد من حالات وشؤون زيد والعمل والمواظبة.
إذن من هذا ماذا نستفيد؟ نستفيد أنّه إذا كان المخبر عنه أو المخبر به من الأمور الملموسة أو المحسوسة فالمخبر يشاهده, فمثلاً يقول: رأيت زيداً مدّ يده إلى قفل فكسره وسرق الأموال التي كانت محروزة فيه، وأما إذا كان الخبر عن أمرٍ غير محسوس, فالشهادة والإخبار يتم تحملهما بالمعاشرة, أي بمشاهدة أمور, وتكون تلك الأمور مفيدة للاطمئنان أو العلم بأنّ هذا الفعل قد حصل كما في عدالة زيد.
ثبوت الأنساب:
ولادة إنسان من إنسان من قبيل الأمور غير المحسوسة, فمثلاً يقال: زيد ابن عمرو, هل يمكن معرفة تولّد زيد من نطفة عمرو؟! وهل يمكن إحراز ذلك بالمشاهدة؟ كلاّ, فإنّ ذلك مستحيل, لأنّ تولّد زيد من عمرو يمرّ بمراحل, وكثير من تلك المراحل لا يمكن إدراكها بأيّ من الحواس الخمس, وأمّا كون زيد من نطفة عمرو فإنّ الذي يمكن إثباته بالمشاهدة هو أنّ عمراً واقع زوجته فقط _ لأنّ المواقعة أمر محسوس _ وأنّه قذف في رحم زوجته, وهذا الذي يمكن إحرازه في بعض الأحيان بالحواس, ولكن أنّ زيداً تكوّن من نطفة عمرو, فلا سبيل لمشاهدة ذلك أبداً كيف يمكن ذلك؟ افرض أنّ عمرواً كان يواقع زوجته, من أين يثبت أنّ زيداً تولّد من نطفة عمرو؟ وكيف يمكن معرفته؟ لا يمكن ذلك أبداً.
بل بعض الفقهاء من العامّة والخاصّة قالوا بأنّ نسبة المتولّد على الفراش إلى صاحب الفراش هو بظاهر الإسلام؛ لأنّه لا سبيل لإثبات ذلك, إذ يمكن أن تكون قطرة من نطفة شخص وقعت في مكان وامرأة خالد جلست في ذلك المكان, والرحم يجذب المني من الخارج, فربّما يتكوّن الطفل من هذا المني الذي هو غير نطفة زوج هذه المرأة, وهذا احتمال وارد.
هذا ماذا يثبت لنا؟ يثبت أنّه لا يمكن الإحراز بأحد الحواس الخمس أنّ فلاناً متولّد من نطفة فلان.
هذه مرحلة, ثمّ بعد ذلك انتقلت النطفة إلى رحم الأم, والمراحل التي تلي ذلك من أين ندركها؟ حتى لو كانت المرأة عادلة مؤمنة صالحة تمام الصلاح, إذ أننا قلنا بأنّ الرحم يجذب المني.
بل من باب تقريب المطلب نقول: بأنّ لأبي حنيفة فتوى نقلها الحنفية وغيرهم, والفتوى موجودة في كتاب المغني لابن قدامة وغيره, وهذه الفتوى معروفة, وهي أنّ شخصاً في المشرق تزوّج امرأة في المغرب وبعد فترة هذه المرأة جاءت بولد ولم ير أيّ منهما صاحبه, قال: لا يحق لذلك الزوج أن ينكر ولادة هذا الولد من عنده! لماذا؟ يقول: لعلّ الهواء حمل النطفة وأوقعها في منطقة معيّنة, وكانت تلك المرأة هناك وجذب رحمها تلك النطفة, فإذا أنكر الرجل كان السبيل اللعان.
ماذا يثبت لنا من هذا كلّه؟ يثبت أنّه لا سبيل ولا يمكن إثبات ولادة شخص من شخص بالمشاهدة.
أقصى ما يمكن أن يشاهد الإنسان أنّ فلاناً واقع زوجته وأنّ زوجته أنجبت, أي خرج الطفل من رحمها بعد فترة معينة، لا يمكن رؤية أكثر من ذلك, أي لا يمكن إثبات أنّ هذا متكوّن من فلان.
فكيف تثبت الأنساب إذاً؟ نفس الطريقة التي تثبت فيها العدالة كذلك نثبت النسب, كيف نثبت العدالة! قلنا: العدالة بناءً على أنّها ملكة, إنّما تثبت بالمعاشرة وبالمشاهدة للأمور التي تلازم عادةً الشخص التقي والعادل, كذلك هاهنا أمور ملازمة لصحّة النسب إذا شاهدناها فحينئذٍ يثبت النسب.
مثلاً يعترف الوالد بأنّ هذا ابنه, ويثبت أنّه ولد على فراشه, ويثبت أنّ الولد اعترف بأنه ابن فلان.
هذا الذي يمكن مشاهدته, هو خروج الطفل من بطن أمه.
وكذلك يمكن إثبات ذلك باعتراف كلّ من الوالد والولد, هذا الذي يمكن مشاهدته, وهذا الذي به تثبت الأنساب, وبغير هذه الطريقة لا سبيل إلى إحراز الأنساب أبداً.
وإلاّ على إحسان إلهي ظهير إذا لم يكتفِ بهذا _ وهو من أشدّ المتحمّسين الجدد وقبله ابن تيمية وقبلهما غيرهما _ عليه أن يثبت بالشواهد أنّه كان هناك من يشاهد بالنظّارة (بالمجهر) أو بالأشعة أنّه خرجت نطفة أبي إحسان إلهي ظهير من ظهره ودخلت إلى رحم أمّه, وكان هناك من يشاهد كلّ مراحل تكوينه إلى أن صار طفلاً مشؤوماً وبعد ذلك خرج, ثمّ تثبت الشهادة أيضاً أنّ أمّه لم تغيّره بغيره, هذا إذا كان هناك من يراقب طفولته ورداءته, وإلاّ فهو ليس ابن أبيه, أي ابن من ينسب نفسه إليه.
خلاصة الكلام في هذه المقدمة هو أنّ نسبة شخص إلى شخص وإثبات أنّ فلاناً ابن فلان منحصر في الشهادة على الاعتراف بأنّ فلاناً يعترف بأنّه ابن فلان وفلاناً يعترف بأنّ فلاناً ابنه, أو تشهد النساء أو غير النساء على أنّ هذا الطفل خرج من بطن أمّه.
بهذا فقط يثبت النسب إلى الأم، وأمّا إلى الأب فلا يمكن أن يثبت إلاّ بالاعتراف أو بظاهر الفراش الذي قلنا إنّما يثبت بحسب الظاهر.
هذه المقدّمة الأولى التي ينبغي أن نبقى على التفات لها في هذه المباحثة التي نعرضها للإخوان.
المقدّمة الثانية: عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود:
هذه قاعدة عقلائية، إذا لم تكن عقلية.
فلو أنّ إنساناً بحث عن شيء في غرفة فلم يجده، فعدم وجدانه لا يعني بالضرورة عدم وجود ذلك الشيء في الغرفة, وخصوصاً إذا كانت هناك دواعٍ لإخفاء ذلك الشيء, أي وجود أسباب تدعو إلى إخفاء ذلك الشيء, ففي هذه الحالة عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود, مما لا ينبغي الريب في هذه القاعدة.
وعلى هذه القاعدة العقلائية, بل العقلية, رتّب علماء العامّة والخاصّة مطالب علمية كثيرة, وفي مختلف أبواب علم الأصول والفقه وغيرهما. من جملتها أنّهم قالوا: بأنّ الجارح يقدّم قوله على المعدّل, فمثلاً لو اختلف شخصان في عدالة أحد الرواة، أحدهما يعدّله _ يحكم بعدالته _ والآخر يحكم بفسقه, هاهنا من الذي يقدّم؟ قالوا: بأنّ الجارح يقدّم على المعدِّل, لأن الذي يحكم بعدالته _ بناءً على أنّ العدالة ملكة _ إنما يدّعي أنّه عاشر هذا الرجل من قريب ورآه في قيامه وقعوده وفي صلاته وصومه, وعاش معه في جواره, وكان له صديقاً لفترة طويلة ولم يجد منه إلاّ الحسن, أكثر من هذا لا يتمكّن أن يثبت. ومن هنا اكتشف أنّه عادل, وأما الجارح فيقول: أنا رأيته يشرب الخمر (العياذ بالله) أو يرتكب جريمة يعاقب عليها الشرع.
ففي تقديم قول الجارح على قول المعدِّل ليس تكذيباً لقول المعدِّل, بخلاف ما إذا رجّحنا قول المعدِّل, فإنّ فيه تكذيباً للجارح, لأنّ المعدِّل يقول بأنّه لا يرتكب, والجارح يقول أنا رأيته يرتكب المعصية, أنّه سمعه يدلّس في الأخبار مثلاً, أو أنه سمعه يفتري, أو ينسب خبراً إلى فلان مع أنّه لم يره لأنه ولد بعده بكذا فترة من الزمن فهو كاذب فلا بدّ أن يرفض خبره, والمعدِّل يقول بأنّه لم ير منه ذلك, فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
وعلى هذا الأساس قالوا بأن عدم وجدان المعدِّل صدور المعصية من هذا الشخص لا يعني أنّه لم تصدر منه هذه المعصية.
نعم إذا كان الله تعالى هو الشاهد على عدالة أحد أو عصمة أحد, فإنّ الله هو علاّم الغيوب, و هذا مطلب آخر, فكلامنا هنا حسب الموازين الظاهرية, وفي الموازين الظاهرية القاعدة العقلائية, بل العقلية, محكّمة في جميع شؤون العباد والبلاد, وهي أنّ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود.
ومعظم أدلّة هؤلاء _ إحسان إلهي ظهير وابن تيمية ومن لفّ لفهم _ مبتنية على قول بعض أهل الأنساب ممّن حمل في طياته النصب لأهل البيت عليهم السلام حيث قالوا: لم يعلم له خبر, أو لم يعرف له ولد, وهذا يعني أنّنا لم نجده, وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
فهذه الأخبار إن صحّت, وهي _ كما سنثبت _ ليست صحيحة, معظمها أكاذيب إحسان إلهي ظهير وابن تيمية, نعم إن ثبتت فإنّما تدل على أنّ من أخبر ابن تيمية ومن أخبر إحسان إلهي ظهير لم يجد, لا أنه يتمكّن من إثبات العدم.
لا يمكن إثبات العدم, حيث إنّ عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود, هذه قاعدة عقلية وإذا لم تكن عقلية فهي عقلائية, لا يمكن إنكارها, وقلنا بأنّ جملة وافرة من شؤون البلاد والعباد تبتني على هذه القاعدة, ولا نطيل أكثر من هذا في هذه القاعدة البديهية.
المقدّمة الثالثة: اشتراط عدم النصب:
ومن جملة المقدمات التي ينبغي أن ننظر فيها: نقطة وردت في كلام الغزالي في أواخر بحث التواتر, حيث قال: إنّ الروافض يشترطون في إفادة التواتر العلم بوجود المعصوم بين المخبرين...
ليت شعري من اشترط ذلك؟! هذه كتب أصول المذهب وغيرها بين أيدي العامّة والخاصة, عدّة الشيخ الطوسي قدس سره, وكتب العلامة الحلّي في الأصول والفقه... وكتب غيرهم, كأنّ الغزالي _ كغيره _ يأخذ المذهب الجعفري وقواعده من أفواه الشوارع ولا يطّلعون على المبادئ التي حقّقها ومحّصها علماؤنا الأبرار.
وليس هذا من شرائط إفادة التواتر للعلم, إذ لم يشترطه أحد, لا من أبناء العامّة ولا من أبناء الخاصّة, نعم السيد المرتضى قدس سره علم الهدى أضاف شرطاً إلى الشرائط المعتبرة في إفادة التواتر العلم, وهو أنّ العقل إنما يستفيد من التواتر العلم إذا كان خالياً عن النصب والعداوة اتجاه شخص، وأما إذا كان في ذهنه العداوة والنصب والاعتقاد بأن الأمر ليس كذلك، فأنه كلما زاد المخبرون عن ما هو خلاف عقيدته زاد تعنتاً وعداوة ووحشية، كما هو حال أمثال ابن تيمية وإحسان إلهي ظهير, فعندما يرى أخباراً متواترة في ولادة الإمام عجل الله فرجه الشريف يزداد تعنتاً.
اشترط علم الهدى هذا الشرط القائل بأنّ التواتر يفيد العلم إذا لم يكن هناك في قلب من سمع الخبر نصب وعداوة _ هذا مضمون كلامه الشريف _ تجاه هذا الخبر, أمّا إذا كان مسبقاً معتقداً بأنّ الأمر ليس كذلك فمهما أخبره الناس عن هذا الخبر فلا يصدّقهم أبداً, فلا يحصل العلم بالخبر المتواتر, نعم هذا الشرط موجود, ولكن هو لم يشترط وكذلك لم يشترط غيره من علمائنا الأبرار أن يكون في المخبرين معصوم.
جاءت كلمة المعصوم في كلمات الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة, حيث قال بأنّه لمّا أنكر جعفر أخو الإمام الحسن العسكري عليه السلام الولادة فإنّ هذا الإنكار لا يكون مفيداً للعلم مقابل الأخبار التي تثبت الولادة؛ لأنّه ليس معصوماً؛ إذ لو كان معصوماً لأمكننا الاعتماد عليها لنفي هذه الأخبار كلّها, ولكنه لما كان غير معصوم فلا قيمة لخبره في مقابل هذه الأخبار, وهذا شيء آخر غير ما ينسبه الغزالي في مستصفاه إلى المذهب الجعفري إذ يقول بأنّهم يشترطون أن يكون في المخبرين معصوم.
هذه بعض المقدّمات التي نحاول أن نحافظ عليها كمقدّمة لدفع الشبهات التي ذكرها أعداء أهل البيت عليهم السلام, أعداء الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف, وإن شاء الله البعض الآخر من المقدمات سوف نعرضها على الإخوة في الندوة القادمة.
والحمد لله رب العالمين
مؤلف:السيد محمّد القبانچي
المصدر: http://alhassanain.org