لقد كثرت الأقوال والأحاديث حول حقيقة المهدي المنتظر (عج) مابين مؤمن ومُنتحل ومُكذِّب.
وهذا الأمر يأخذ بأيدينا إلى أن كلمة المهدي لها أكثر من معنى ودلالة. فقد استعملها المحدّثون والمؤرخون والشعراء وامتدّوا بمعناها إلى مَن تلبسَ بالهُدى والصلاح ودعا إلى الحقِّ والصراط المستقيم فدلالة القرآن تقول : )هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ(.
وكذلك ورد استعمالها بنفس المعنى على لسان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) حينما قال: وإن تُومّروا عليّاً عليكم ـ ولا أراكم فاعلين ـ تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم إلى الصراط المستقيم[1].
وكذلك وردت الكلمة على لسان الإمام الصادق (عليه السلام) كما وردت على لسان أبي بصير عنه (عليه السلام): منّا اثنا عشر مهدّياً مضى ستة وبقي ستة يصنع الله بالسادس ما أحبّ. وحين سُئل الإمام الصادق (عليه السلام): أنت المهدي من آل البيت؟ قال (عليه السلام): كلُّنا مهديّون نَهدي إلى الحقّ وإلى الصراط المستقيم.
واستعار هذه الكلمة الشعراء كي يمدحوا الملوك والخلفاء ـ ومنهم العباسيون ـ تزلُّفا ورياءً وطمعاً في عطائهم من أموال بيت المال وحرمان المستضعفون من حقوقهم التي حصَّهم الله بها. وظهرت الأهواء والمصالح حتّى عدَّ بعض التابعين عمر بن عبد العزيز الاُموي مَهدّياً ومن أئمة الهُدى. وبالرغم من كون عمر هذا يختلف عن سيرة الاُمويين في إرجاعه فدكاً إلى العلويين لكنه بمجرد اعتلائه ولاية الأمة على حساب العلويين هو خروج عن طاعة الله وأوامره ورسوله (صلى الله عليه وآله).
كما أن أمير المؤمنين حدد المحتوى لكلمة المهدي في وصفه لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) بقوله:
أنا أهلُ بيت علمُنا من علم الله ونحكم بحكم الله في قول صادق ، فإن تتَّبعوا آثارنا تهتدوا بهدينا وتُرشدوا ببصائرنا ، معنا راية الحقّ والهُدى ، من اتَّبعها لحقَ ومن تأخر عنها غرق. فكانت دلالة الكلمة على إتباع طريق الحقِّ والرشاد.
وانصرف معنى كلمة (المهدي) إلى الإمام الثاني عشر من أئمّة الهُدى (عج) الإمام محمد المهدي بن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام). وهذا الإنصراف يؤكد لنا حقيقة وجود المهدي وحاجة المجتمع الإنساني والإسلامي على وجه الخصوص إلى مَن ينقذه من جور الطغاة وظلمهم فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً فالمهدي : هو الذي يهدي إلى دين جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) بعد أن تشابكت أيدي الظلم والجور على إخفائه وطمس معالمه والتجاوز على معتنقيه والبطش بهم.
فالإمام المهدي هو الذي يهدي الأمة إلى وجه الإسلام الناصع بعد أن يخلّصه من شوائب الأنانية وحب الأنا التي يصفُها علماء النفس من أشد الأمراض الإجتماعية فتكاً بالمجتمع وقواعده السليمة والإنسانية.
وقد ذهب جمع من الكُتّاب الإسلاميين والمستشرقين إلى الإعتقاد بظهور مصلح ومنقذ للبشريّة فمن خرافات الأديان القديمة ومبغضي دين الاسلام الحنيف ، ويدعي هؤلاء أن انبياء بني اسرائيل ـ ومنهم المسيح ـ قد بشروا بظهور المصلح لإنقاذ البشريّة وهو الإمام المنتظر (عج) قبل أن يقوموا بتحريف التوراة.
إلاّ أنّ قسماً منهم ادَّعى أن هذا الدور يقوم به المسيح (عليه السلام) في آخر الزمان كما يعتقد المسيحيون برجعة المسيح (عليه السلام) لإنقاذ العالم[2].
ويدعي الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه (نظرية الإمامة عند الشيعة) أن مسيحيّ الأحباش ينتظرون عودة مليكهم (يتودور) كمهدي في آخر الزمان.
وأضاف أنّ في الديانات غير المسيحيّة عقائد لا تختلف عن عقيدة المهدي عند المسلمين. إذ يعتقد المغول أن تيمورلنك أو جنكيزخان قد وعَدَ قبل موته بعودته إلى الدُنيا لتخليص قومه من الحكم الصيني البغيض بالنسبة لهم.
وأمّا في الأساطير الفارسية فينتظر المجوس (أشيدر بابي أحد أعقاب زرادشت). إلاّ أنّ الدكتور أحمد أشار إلى أن أولئك كانوا يُمنُّون أنفسهم بظهور مَن يخلّصهم من الجور والطغيان. وهم يشتركون مع الشيعة بانتظار مَن ينقذهم.
ومن مجمل ما تقدم نقول إذا كانت الأمم غير الإسلامية تنتظر مَن يخلّصها من الظلم وتنسج الأقوال والأساطير غير المستندة إلى أمر السماء، فما ظنّك بأمر الوحي أو قول الرسول (صلى الله عليه وآله) بظهور المهدي أحق أن يتبع أم تلك الأقوال التي ما أنزل الله بها من سلطان؟
ويدُ العبث لم تسلم منها شريعة من الشرائع حول الزيغ والإنحراف عمّا آوت به السماء من الوحي واتباع الحقّ وقد عانى المرسلون وأئمة الهُدى من جور الطغاة وانحرافهم ما يعجز عنه الوصف في صمود المرسلين والأئمة والأطهار فالتوراة بشّرت بظهور المسيح إلاّ أن اليهود مسخوها وحرَّفوها وادعوا أن الذي يظهر دَعيٌّ، وأن عيسى يظهر في آخر الزمان. كما أنكر المسيحيون نبوّة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وحرّفوا الانجيل فكانوا وما زالوا يحاربون الإسلام ونهجه السماوي.
كما أنّ فكرة وحقيقة ظهور المهدي (عج) تعرَّضت إلى نسيج مشوّش من الطعون على يد الأمويين وأتباعهم بأن وضع لهم خالد بن يزيد بن معاوية حديث السفياني وقالوا إنّه يخرج في آخر الزمان ويحكم البلاد ويعطي الحكم إلى الوزغ بن الوزغ مروان وابنائه / كما ورد في النجوم الزاهرة. وما أجرأ ألسنةُ البغي على رسالة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) كما أنّ المتزلِّفين إلى العباسيين وعُشّاق موائدهم وهباتهم إدّعوا أن للعباسيين مهديّاً سيخلصهم من ظلم الأمويين. وادّعى الطبراني عن ابن عمر أنّهُ قال:
وقد روى الطبراني عن ابن عمر قال:
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في جمع من المسلمين وعلي بن أبي طالب عن يساره والعباس عن يمينه وأغلظ الانصار للعباس فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيده وبيد علي وقال (صلى الله عليه وآله): سيخرج من صلب هذا من يملأ الأرض جوراً وظلماً. ويخرج من صلب هذا من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التيمي فإنه يَقبل من المشرق وهو صاحب راية الهُدى[3].
ولما انتصر العباسيون على الأمويين قالوا بأن المهدي منهم لأنهم أصحاب الرايات التي خرجت من المشرق بقيادة أبي مسلم الخراساني . وقد لقَّب المنصور العباسي إبنه محمد بالمهدي ليوهم الناس أنه المهدي المنتظر الذي بشّر به النبي (صلى الله عليه وآله). ويشير الحسني في ص 521 أنّ المهدي من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، ولم يقل أحد بأن بني العباس من أهل بيت النبي إلاّ بنوع من التجوّز الذي لا يصلح حمل الكلام عليه إلاّ بدليل ظاهر.
وقال البلخي في كتابه (البدء والتأريخ) عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: «لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجلٌ من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي». وبعد أن رواه قال لقد تأولهُ قومٌ وقالوا إنه المهدي ابن جعفر المنصور واسمه محمد.
أما رواية الطبراني ـ كما يقول الحسني ـ فإن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: سيخرج من صلب هذا ـ يعني عمّهُ العباس ـ من يملأ الارض جوراً وظلماً ، وفعلاً قد بنى العباسيون على جماجم العلويين من أبناء النبي وعترته إسطوانات البناء وشتّان ما بين هذه الجرائم وإقامة العدل وإنّما الحقد والبغض الدفين. وان الذي يملؤها قسطاً وعدلاً هو من وِلدِ علي (عليه السلام) ولكن المطامِعَ وحُبَّ الدُنيا والخوف شوَّهت الحقائق وقلبتها إلى نقيضها. وعلى ضوء ما تقدم فإن كلمة المهدي تنصرف إلى المهدي من آل محمد (عج) الذي تنتظره البشريّة بفارغ الصبر.
وقد روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: دخلت على سيدي محمد بن علي بن موسى بن جعفر أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد وما هو المهدي؟
فابتدأني الإمام قائلاً: يا أبا القاسم المهديَّ منّا الذي يجب أن ينُتظر في غيبتهِ ويُطاع في ظهوره ، وهو الثالث من ولدي. والذي بعث محمداً بالحقِّ نبيّاً وخصَّنا بالأمامة لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً وأن الله ليصلح له أمره كما أصلح أمر كليمه موسى(عليه السلام) إذ ذهب يقتبس لأهلهِ ناراً فرجع وهو نبي، وإن أفضل أعمال شيعتنا هو انتظار الفرج[4].
[1] ج2 ص 516/ سيرة الائمة الاثني عشر: لهاشم معروف الحسني.
[2] ج2 ص518/ سيرة الأئمة الاثني عشر : لهاشم معروف الحسني.
[3] ج2 ص520 ـ 521/ سيرة الأئمة الاثني عشر: لهاشم معروف الحسني.
[4] ج2 ص 532/ سيرة الأئمة الاثني عشر: لهاشم معروف الحسني.
المصدر:سایت السبطین