قبل موت معاوية في سنة 60 هجرية، كان قد عيّن ولده يزيداً في أواخر حياته (سنة 56 هـ) وليّاً للعهد، وأعلن مروان ذلك في مسجد رسول الله (ص) في المدينة بحضور وجوه أبناء المهاجرين والأنصار وعلى رأسهم الحسين (ع)، فرفضوا ذلك أشدّ الرفض، واجتمعت كلمتهم على إنكار أخذ البيعة ليزيد·
فعزل معاوية مروان وعيّن بدلـه سعيد بن العاص والياً على المدينة وطلب منـه أخذ البيعة ليزيد، فواجه اعتراضاً عنيفاً من الناس إلاّ عدّة قليلة، فكتب معاوية الى وجوه المدينة ومنهم الحسين (ع) المبايعة ليزيد، فكتب الحسين (ع) جواباً عنّف فيه معاوية وبيّن فيه عيوب يزيد وخسّة منزلته وعدم أهليته للامارة·
فاضطرّ معاوية للسفر الى المدينة بنفسه لأخذ البيعة ليزيد، فاستدعى أولاً رؤوس المعارضين الأربعة واحداً تلو الآخر، وهم الحسين (ع) وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر، وطلب منهم البيعة ليزيد، فرفضوا إعطاء البيعة ليزيد في الخفاء، وكان الحسين (ع) أشدّهم نكيراً على معاوية حينما استدعاه معاوية مع ابن عمّه عبد الله بن عباس، وخطب معاوية خطبة بيّن فيها فضائل رسول الله (ص) ثم بيّن فضائل يزيد وأنّه أهل لمنصب خلافة الرسول، فقام إليه الحسين (ع) خطيبا في ذلك الجمع الخاص، ومنها قولـه: «وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لاُمّة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلمٍ خاص، وقد دلَّ يزيد بنفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحاوش، والحمام السبق لأترابهن، والقيان ذوات المعازف، وضرب الملاهي، تجده باصراً، ودع عنك ما تحاول ·· الخ»·
ثم جمع معاوية المسلمين بعد ثلاثة أيام في مسجد رسول الله (ص) وخطبهم قائلاً: لو وجدتُ مَن هو أهلاً للخلافة أكثر من يزيد لفعلت· فقام له الحسين (ع) وقال له: « والله لقد تركت من هو خير منه أباً واُمّاً ونفساً»· فقال معاوية: كأنّك تريد نفسك؟ فقال الحسين (ع): «نعم أصلحك الله»· فاعترف معاوية بأنّ الزهراء (ع) أفضل من اُمّ يزيد، وأمّا علي (ع) فليس من المسلّم أنّه أفضل منه ـ أي معاوية- فأجابه الحسين (ع): «حسبك جهلك، آثرت العاجل على الآجل»· فقال معاوية: إنّ يزيد أفضل لاُمّة محمد منك· فقال الحسين (ع): «هذا هو الإفك والزور، يزيد شارب الخمر ومشتري اللهو خير منّي؟!» وهكذا انفضّ الاجتماع العام بهزيمة معاوية وفضيحته على رؤوس الأشهاد·
وقد عمد معاوية الى المكر، فأعلن في مكّة أنّه قد أخذ البيعة من الأربعة المذكورين أعلاه، فبايع الناس، وعندما جاؤوهم وسألوهم عن سبب رضاهم بيزيد بعد إنكارهم له، قال الحسين (ع): «لا والله ما بايعنا، ولكنّ معاوية خدعنا وكادنا ببعض ما كادكم به، ثم صعد المنبر وتكلّم بكلام، وخشينا إن رددنا مقالته عليه أن تعود الفتنة جذعاً ولا ندري إلى ماذا يؤول أمرنا، فهذه قصّتنا معه»·