ممثل المرجعية العليا في اوربا بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك :
اطل علينا شهر الله بالخير والبركة والرحمة، وهوالشهر الذي دُعي فيه المسلمون الى ضيافة الله وجُعلوا من اهل كرامته، فلذلك كانت أنفاسهم فيه تسبيح ونومهم فيه عبادة وعملهم فيه مقبول ودعائهم فيه مستجاب.
ان هذا الموسم الالهي قد اعتنى بتنمية جوانب روحية عديدة من حياة الانسان نشير الى بعضها :
• الدعاء، لأن من أهم مميزات شهر رمضان أنه شهر الدعاء والتضرع والارتباط بالله لا سيما في هذا الزمن الذي طغت فيه المادة خصوصًا في بلداننا الغربية التي غفل فيها الإنسان عن خالقه العظيم. فهوبحاجة إلى هذه الكنوز الروحية التي تزخر بها مدرسة أهل البيت (ع) من شتى الأعمال والأدعية النفيسة كدعاء الافتتاح ودعاء البهاء ودعاء أبي حمزة الثمالي وغيرها بما تحمل من معانٍ عظيمة ومضامين رفيعة من تمجيد الله وتسبيحه وتذكير الإنسان بمدى احتياجه وفقره إلى المالك الحقيقي والودود الرؤوف بعباده، ومن بيده وحده العطاء والمنع. وما يقابل هذا الحث على الدعاء وَعْدُ الله بالإجابة لقول رسول الله (ص) (توبوا إلى الله من ذنوبكم. وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم، فانّها أفضل السّاعات ينظر الله عزَّ وجلَّ فيها بالرَّحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيّهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه).
• ترويض النفس وتهذيبها، وهوالجانب الآخر من عطاء هذا الشهر الكريم فحين سئل (ص) عن أفضل أعمال رمضان قال (الورع عن محارم الله) فإن الله إذ أمر الإنسان أن يمتنع عن الشهوات الحسية المحللة في سائر الشهور قد ندبه إلى تهذيب نفسه وترويضها على الامتناع عن المحرمات والإكثار من الطاعات فقد قال رسول الله (ص) (فإنَّ الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه) ( احفظوا [فيه] ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلُّ النّظر إليه أبصاركم، وعمّا لايحلُّ الاستماع إليه أسماعكم).
• الاهتمام بالفقراء والمساكين ممن حولنا، سواء كانوا من ذوي الأرحام، أومن اهل الحي، أومن أهل المدينة أوالقرية مما يضفي جواً من التكافل الاجتماعي العام. وقد حًثًّ نبينا صلى الله عليه وآله الأغنياء في هذا الشهر الفضيل على الإنفاق على المحتاجين من الفقراء والمساكين، إذ يقول (ص) (وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، وتحننوا على أيتام الناس يُتحنَّن على أيتامكم).
• صلة الارحام وزيارة الاصدقاء وتبادل الزيارات لمجالس الذكر والدعاء، واجتماع الناس في المجالس، مما يضفي أجواءً من الحيوية والتفاعل بين مختلف الشرائح الاجتماعية. وقد حث النبي (ص) على زيارة الأرحام في هذا الشهر المبارك، إذ يقول (ص) (من وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه) كما ورد الحث على زيارة المؤمنين والأصدقاء، فقد روي عن النبي (ص) (من زار أخاه المؤمن إلى منزله لا حاجة منه إليه كتب من زوار الله، وكان حقيقاً على الله أن يُكرم زواره)، وقال (الزيارة تنبت المودة)، وقال الإمام الصادق (ع) (ما زار مسلم أخاه المسلم في الله ولله إلا ناداه الله عَزَّ وجَلَّ أيها الزائر طبت وطابت لك الجنة). فزيارة المؤمنين والأصدقاء والأرحام لها فوائد عظيمة، لَعًلَّ من أهمها: تقوية العلاقات الاجتماعية، وإشاعة الأخوة بين المؤمنين، وإزالة الضغائن والتشنجات من النفوس، وتثبيت المودة والمحبة بين أفراد المجتمع، ولذلك كله، ينبغي تنمية عادة التزاور بين الناس وخصوصاً في شهر الله (شهر رمضان) حيث تكون النفوس مهيأة لتبادل الزيارات، ونسيان ما قد يَعْلق بين بعض أفراد المجتمع طوال السنة من سوء فهم، أوحدوث توتر لأي سبب كان.
• صلاة الجماعة: وهي من الاعمال المستحبة المؤكدة في كل فريضة ولكن في شهر رمضان يتضاعف الأجر فيها، لما روي عن رسول الله (ص) (قد أظلكم شهر رمضان، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيامه لله عَزَّ وجَلَّ تطوعاً، من تَقَرَّبَ فيه بخصلة من خير كان كمن أدَّى فريضة فيما سواه، ومن أدَّى فيه فريضة كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه)، وهذا الإقبال على صلاة الجماعة في شهر رمضان من السلوكيات الحسنة، ويجب أن يعاهد فيه الإنسان نفسه على الالتزام بإتيان صلاة الجماعة في كل أيام السنة لما في ذلك من تقوية للحالة الدينية في المجتمع، وتنمية أواصر الأخوة بين المؤمنين، وخلق الأجواء الإيمانية والروحية في الفضاء الاجتماعي العام.
• افطار الصائمين : الذي ينمي المحبة بين افراد المجتمع، ويساهم في خلق أجواء من الصفاء النفسي الذي يذيب مشاعر الكراهية التي قد توجد بين بعض الناس لأسباب مختلفة.وهذه العادة الحسنة تعطي انطباعاً بتماسك المجتمع وترابطه، وتساهم في تقوية النسيج الاجتماعي مما ينعكس أثره على التعامل الإيجابي بين الناس.وإذا كان الإنسان يتبادل الطعام بعنوان (إفطار صائم) فإن له أجراً وثواباً عظيماً كما ورد عن الرسول الأعظم (ص) حيث قال (أيها الناس: من فَطَّرَ منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه.قيل: يارسول الله ! وليس كلنا يقدر على ذلك.فقال: اتقوا النار ولوبشق تمرة، اتقوا النار ولوبشربة ماء)، فلنجعل من تبادل أطباق الطعام بهدف الحصول على الثواب الكبير أيضاً من خلال عقد النية على تفطير الصائمين، وبذلك يحصل الإنسان على الثواب والأجر الجزيل، بالإضافة لما في ذلك من فوائد كثيرة في صناعة التقارب والتواصل بين أفراد المجتمع.
هذه بعض جوانب التنمية الروحية في شهر رمضان المبارك.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لصيامه وقيامه وتلاوة كتابه انه ولي التوفيق