إلى حيث الفناء والبقاء، فناء الحياة الدنيا وبقاء الأثر والقضية، قرر أبو الأحرار الأمام الحسين (عليه السلام) التوجه من بيت الله الحرام نحو الكوفة، وذلك في يوم التروية (8 ذي الحجة، سنة 60 هـ).
وقبل عزمه (عليه السلام) على الرحيل، وجهت له العديد من النصائح والتحذير من خطورة هذه الخطوة، وكان من بين المحذرين أخوه (محمد بن الحنفية)، فقال له: “يا أخي، إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم وأمنعه”.
فكان جواب الإمام الحسين (عليه السلام): (يا أخي قد خفتُ أن يغتالني يزيد في الحرم، فأكون الذي يُستباح به حرمة هذا البيت)، فنصحه ابن الحنفية بالسير نحو اليمن أو بعض نواحي البر، مبدياً ألمه وحسرته لعدم مرافقته في المسير بسبب شدة المرض، فقال له: “والله ليحزنني فراقك، وما أقعدني عن السير معك إلا لأجل ما أجده من المرض الشديد، فوالله يا أخي ما أقدر أم أقبض على قائم سيف، ولا كعب رمح، فوالله لا فرحتُ بعدك أبداً”.
ويتضح هنا مدى إصرار سيد الشهداء (عليه السلام) على التوجه إلى العراق دون غيره من البقاع الإسلامية، رغم الكم الهائل من النصح والتحذير، ويظهر أن هنالك عوامل عديدة هيأت هذه المنطقة لتصبح وجهة له (عليه السلام)، ناهيك عن الوعود والعهود التي قطعت له، والرسائل التي وصلته من أهل الكوفة، والولاء المنقطع النظير الذي أبداه أهلها إلى العلويين منذ قدوم الإمام علي (عليه السلام) واتخاذها عاصمة للدولة الإسلامية، وغيرها من الظروف والمقومات السياسية والاجتماعية الداعمة لذلك.
وهكذا لم يُتمّ حجه (عليه السلام)، فخرج بأهل بيته وأصحابه، متوجهاً نحو الكوفة، بموكب من نور، سائرين نحو المنايا مؤمنين بصدق ما هم عليه وأحقية طاعة سيدهم ومولاهم الإمام الحسين (عليه السلام)، ووجوب الوقوف معه بالضد من الحكم الأموي الفاسق، فسلام عليهم أبد الآبدين.
*وكالة كربلاء الدولية