كتب ملك الروم إلى أحد بني العباس مسألة فجمع العلماء فلم يجيبوا عن ذلك على كثرة عددهم واختلاف مذاهبهم، وكان الجواب عند الإمام علي الهادي عليه السلام.
وبعد رحيل الإمام الجواد(ع) إلى الرفيق الأعلى خلف ابنّه الإمام علياً الهادي(ع)، ومن أجل الحيلولة دون الوصول إلى مقامات أبيه أمر المعتصم عمر بن الفرج أن يختار له معلماً يبغض أهل البيت (ع) فاختار محمّد بن جعفر الجنيدي، وعهد إليه أن يمنع أنصار أبيه من الاتصال به، وبعد فترة من الزمن سأل عمر الجنيدي عن حاله فقال: (إنّه ملي أبواباً أستفيده منه، فيظنّ الناس أنّي اُعلّمه، وأنا والله أتعلم منه) .
والتقى به ثانية وسأله: ما حال هذا الصبي؟ فأنكر عليه الجنيدي ذلك، وقال: دع عنك هذا القول، واللهِ تعالى لهو خير أهل الأرض، وأفضل من برأه الله تعالى… وإنّه حافظ للقرآن من أوله إلى آخره ويعلم تأويله وتنزيله (1) .
وكدليل على مرجعيته العلمية فإنّ أهل المدينة قد ضجّوا ضجيجاً عظيماً حينما سمعوا بأنّ المتوكل أراد نقله إلى بغداد ثم سامراء، ولم يسكنوا إلاّ بعد أن حلف لهم المأمور به أنّه لا بأس عليه ولن يصاب بمكروه، ولما دخل على المتوكل قال له: فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم(2) .
وكان العلويون يعظّمونه، ومنهم عم أبيه زيد بن الإمام موسى الكاظم، وكان شيخاً كبيراً يجلس بين يديه تكريماً له، وفي أحد الأيام تصدّر زيد المجلس، فلما أقبل الإمام وثب عن مكانه وأجلسه فيه وجلس بين يديه متأدباً مع صغر سن الإمام وكبر زيد(3) .
وحينما يختلف الفقهاء في مسألة شرعية أو قضية قضائية كان المتوكل يبعث على الإمام ليرى رأيه فيتبناه(4) .
وكتب ملك الروم إلى أحد بني العباس مسألة فجمع العلماء فلم يجيبوا عن ذلك على كثرة عددهم واختلاف مذاهبهم، وكان الجواب عند الإمام علي الهادي(5) .
وكانت له ردود على أهل الجبر والتفويض وعلى الغلاة والزنادقة وعلى أفكار الصوفيين، وكانت له مراسلات مع الكثير من الفقهاء والعلماء يجيبهم عن أسئلتهم.
وممّا قيل فيه من قبل العلماء والباحثين:
وقال فيه أبو عبد الله الجنيدي: واللهِ تعالى لهو خير أهل الأرض، وأفضل من برأه الله تعالى(6) .
وقال فيه اليافعي: كان متعبداً فقيهاً إماماً(7) .
وقال فيه الأربلي: لا تذكر كريمة إلا وله فضيلتها، ولا تورد حسنة إلا وله تفصيلها وجملتها، ولا تستعظم حالة سَنيّة إلا وتظهر عليه أدلتها استحق ذلك بما في جوهر نفسه من كرم تفرّد بخصائصه، ومجد حكم فيه على طبعه الكريم (8) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- حياة الإمام علي الهادي: 25 ـ 26، باقر شريف القرشي عن: مآثر الكبراء 3: 95.
(2) – تذكرة الخواص: 322.
(3) – حياة الإمام علي الهادي: 27.
(4) – مناقب آل أبي طالب 4: 437، تاريخ بغداد 12: 56.
(5) – الدمعة الساكبة 3: 140.
(6) – مآثر الكبراء 3: 9.
(7) – مرآة الجنان 2: 161.
(8) – كشف الغمّة 2: 399.
المصدر : وكالة الحوزة