لقد واجه النبي الأكرم (ص) طوال فترة الدعوة، ابتداء من نزول الوحي عليه في جبل حراء الى انتشار الدعوة في أرجاء الجزيرة العربية في نهاية عمره الشريف، أطيافا اجتماعية كانت لها سماتها المؤثرة على مسار الدعوة :
و هی أهل مكة: وهؤلاء ـ بالسواد الاعظم ـ قد أبدوا الممانعة بالغة الأثر حيال دعوة النبي (ص) وحشدوا الغالي والنفيس في سبيل القضاء على الدعوة الإسلامية، كما هو ثابت في التاريخ، وقد كانت تلك الممانعة لأسباب عدة أهمها:
ـ طبيعة مكة الصحراوية بتأثير ذلك على نفسية ابنائها حيث تجعل لهم روح شرسة صلبة لا تعنى بالأبعاد الروحية والخطاب المثالي في الحياة.
ـ شيوع التجارة كمهنة أساس لأبناء مكة، وما يعني ذلك من تغلغل لروح النفعية في نفوسهم، وحساب الأمور حساب الربح والخسارة المادية، ولاشك أن القيم التي تبناها الإسلام كانت ذات مسار بعيد عن هكذا حسابات.
ـ تولي الأمويين ـ سادة قريش والطبقة الأولى فيها ـ قيادة الجبهة المعادية للإسلام، انطلاقا من روح العداء للبيت الهاشمي والمنافسة له، حيث أن الأمويين طالما كانوا على سعي دائم للّحاق بالمجد الهاشمي والتفوق عليهم، وظهور الاسلام بما فيه من نبوة خاتمة تقمصها رجل من بني هاشم، سيعد فضلا عالمياً لا يدرك يحسب لبني هاشم، بمعنى أن روح القبلية الجاهلية المتغلغلة لدى الأمويين قد دفعتهم لقيادة الحرب على الإسلام ودعوته.
أهل الطائف: مما يحدثنا عنه التاريخ أن النبي الاكرم (ص) قد ذهب الى الطائف لنشر الإسلام فيها بعد يأسه من استجابة أهل مكة، غير أنه قوبل فيها بصد وامتناع كبيرين، وذلك بسبب أن العديد من سادة قريش كانوا يملكون بساتين وأراضٍ في الطائف وكان الأهالي يعملون لديهم، وحتى السادة فيها لم يكونوا على استعداد لمواجهة قريش والإسلام وقتها دعوة ضعيفة لا يمكن التعويل على مستقبلها.
أهل المدينة: وهؤلاء استجابوا لدعوة النبي (ص) لأسباب هي:
ـ كانوا على تماس مع اليهود وقد سمعوا منهم أخبار التبشير بنبي سيظهر وعرفوا منهم علاماته، فلما التقوا النبي محمد (ص) وجدوا تلك العلامات متواجدة فيه (ص).
ـ أهالي المدينة كانوا يمتهنون الزراعة، وهذه المهنة بدورها تغرس بدورها البساطة والطيبة في النفس، لذا كانوا على استعداد لتقبل دعوة الإسلام التي تتبنى المناحي الروحية والقيم المثالية.
ـ العداء الطاحن الذي طالما استمر بين الاوس والخزرج والذي وصل الى حالة صار يبحث بسببها الطرفان عن وسيلة للخلاص، وهذا ما تثمل بمجيء النبي الأكرم (ص) اليهم حيث يجمعهم تحت لواءه قوة موحدة.
الأعراب سكان البادية: وهم السواد الأعظم من سكان الجزيرة، وهؤلاء بطبيعتهم البدوية التي لا تنظر إلا الى القوة كمعيار للإتّباع، لهذا كان تعاملهم مع الدعوة الإسلامية أن طووا عنها كشحا اثناء مسيرها ككتلة ضعيفة إزاء قريش وقوتها، وآمنوا وأذعنوا الى النبي (ص) بعد انتصاره الساحق على قريش وبسط نفوذه في الجزيرة، ثم تراهم انقلبوا وارتدوا بعد وفاة النبي (ص) حيث أن الوفاة كانت مؤشر ضعف بالنسبة اليهم، وحين تغير التوجه الإسلامي الى تكوين قوى محاربة للفتوحات، بما في الفتوحات من غنم ومكسب، تحشدوا صفوفا متراصة في جيوش الدولة الإسلامية باسم الجهاد الاسلامي.
الشيخ صلاح الخاقاني/موقع الأئمة الاثنا عشر
المصدر: شفقنا