قال الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام): " نحن ومحبونا من طينة واحدة بيضاء نقية من أعلا عليين ، فخلقنا نحن من أعلاها وخلق محبونا من دونها.
أول من اطلق اسم الشيعة لأتباع علي (عليه السلام) هو النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وهو الواضع لحجرها الأساسي، والمثبت لها ، وغلب هذا الاسم على كل من يوالي الإمام علي بن ابي طالب(عليه السلام) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) حتى صار اسماً خاصاً لهم فإذا قيل فلان من الشيعة عرف انه منهم[1] ، وبما ان من والى الإمام علي أصبح شيعياً علينا أن نعرف مَنْ هم الموالون ؟ هم خير البرية المنصوص عليهم بقوله تعالى ]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ[2]، إذ قال النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) إلى الإمام علي بن ابي طالب "أنت وشيعتك خير البرية" [3] وهذا ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري ، أنه سأل النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) هل ينتفع الشيعة بالقائم (عليه السلام) في غيبته ؟ فقال (صلى الله عليه واله) :" أي والذي بعثني بالنبوة ينتفعون به ، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وان سترها سحاب" [4].
وكذلك نزل فيهم قوله تعالى وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [5] إذ اكد الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: "إنما شيعة علي الحلماء والعلماء ، الذبل الشفاه، تعرف الرهبانية على وجوههم"[6] ، يبدو ان العلماء إشارة إلى قوتهم النظرية بالعلم النظري ، والحلماء إشارة إلى كمالهم في القوة الغضبية ، لأن الحلم ملكة تحت الشجاعة الحاصلة من اعتدال تلك القوة ، والذبل الشفاه إشارة إلى كمالهم في القوة العملية [7].
بالإضافة الى ذلك هم الفائزون المنصوص عليهم في قوله تعالى الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [8]، اذ قال الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) :" إن الإمام علي (عليه السلام) وشيعته هم الفائزون"[9] ، ويؤيد ذلك ما رواه جابر عن الإمام (عليه السلام) بقوله :" يا جابر ابلغ شيعتنا أنهم إذا قاموا بما أمروا أنهم هم الفائزون يوم القيامة" [10].
تبين الروايات التاريخية ان الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) بين كلمة سبيل الله في قوله تعالى وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ ...[11]، قال (عليه السلام): "سبيل الله هو الإمام علي وذريته (عليهم السلام)، وسبيل الله من قتل في ولايته، ومن مات في ولايته"[12]. وكذلك وضح الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام) معنى قوله تعالى )وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى[13]( فذكر الإمام(عليه السلام): "مع ولايتنا آل البيت عليهم السلام"[14].
فقد وضح الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) تفسير الآية في قوله تعالى]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ([15] فقد اكد (عليه السلام): "صبار على مودتنا وعلى ما نزل به من شدة أو رخاء صبور على الأذى فينا ، شكور لله على ولايتنا أل البيت عليهم السلام"[16].
اشارت الروايات ان الله (عزوجل) قد أخذ الميثاق على الموالون الشيعة بحب آل النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وهم في صلب النبي آدم (عليه السلام) وهذا ما اكده الإمام محمد بن علي الباقر بقوله :" إن الله أخذ ميثاق شيعتنا من صلب آدم ، فنحن نعرف بذلك حب المحب وان اظهر خلاف ذلك بلسانه ، ونعرف بغض المبغض وان اظهر حبنا آل البيت (عليهم السلام)" . ويمكن القول انه ليس كل من أدعى محبة اهل البيت (عليهم السلام) ينطبق عليه لقب المحب والموالي والشيعي، بل يجب على من يدعي بذلك ، أن يتبرأ من أعداءهم وان يواليهم مولاة حقيقية بأتباع سيرتهم ونهجهم ، فحبهم ليس مجرد كلمة أو شعور، وإنما ينبغي أن يترجم إلى تطبيق عملي بالولاية لهم والبراءة من أعدائهم.
ومما لا شك فيه، ان الله (عزوجل) خلق الشيعة والنبوة من طينة واحدة وهذا ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري، عن النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) قال للإمام علي (عليه السلام) :" إلا أبشرك إلا أمنحك ؟قال: بلى يا رسول الله قال: فأني خلقت أنا وأنت من طينة واحدة، ففضلت منها فضلة فخلق منها شيعتنا ، فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأمهاتهم ، إلا شيعتك فأنهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم" [17] .
وفي موضع أخر قال الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام): " نحن ومحبونا من طينة واحدة بيضاء نقية من أعلا عليين ، فخلقنا نحن من أعلاها وخلق محبونا من دونها ، فإذا كان يوم القيامة التحقت العليا بالسفلى، فضربنا بأيدينا إلى حجزة نبينا ، وضربت شيعتنا بأيديهم إلى حجزتنا ، فأين ترى يصير الله نبيه وذريته ؟ وأين ترى يصير ذريته محبينا ؟" [18].
في الوقت نفسه ان للشيعة صفات خاصة أوجزها ابن النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) الامام الباقر قائلا: " والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون ، ... إلا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء "، ثم قال (عليه السلام) : "يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول : أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالا ؟ فلو قال : إني أحب رسول الله فرسول الله خير من علي ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئاً، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرب إلى الله إلا بالطاعة وما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجة ، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع" [19].
تستنتج من ذلك، ليس كل من ادعى محبة بيْتِ النبُوّةِ، ومَوضِعَ الرِسالَةِ ( عليهم السلام) ينطبق عليه لقب المحب بل يجب على من يدعي محبتهم أن يتبرأ من أعدائهم وان يواليهم مولاة حقيقية بأتباع سيرتهم وأن يترجم إلى تطبيق عملي بالولاية لهم والبراءة من أعدائهم .
جعفر رمضان
[1] محب الدين أبي الفيض محمد مرتضى الزبيدي ، تاج العروس من جواهر الناموس ، (بيروت : مطبعة منشورات مكتبة الحياة،2008)،ج 5 ، ص 405
[2] سورة البينة ، الآية 7 .
[3] أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي العياشي، تفسير العياشي، تحقيق هاشم الرسولي المحلاتي، (طهران،1404) ،ج 1 ، ص 280
[4] أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق: علي أكبر الغفاري ، ط1 ،(قم: مطبعة محرم الحرام، 1405)، ص 253.
[5] سورة الحديد ، الآية 27 .
[6] مولى محمد صالح المازندراني ، شرح أصول الكافي، (قم ، 1409)، ج 2 ، ص 262 .
[7] المصدر نفسه، ج9 ، ص 165.
[8] سورة التوبة ، الآية 20 .
[9] أبو عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد، الارشاد في معرفة حجج الله على العباد ،تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، (بيروت: مطبعة دار المفيد ، 1414) ،ج1، ص 41
[10] أبو جعفر محمد بن الحسين بن علي الطوسي ، الأمالي، تحقيق وتصحيح : بهراد الجعفري وعلي اكبر الغفاري ،( طهران : دار الكتب الاسلامية 1381) ، ص 370.
[11] سورة آل عمران ، الآية 158.
[12] أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي العياشي ، المصدر السابق، ج1 ، ص 225 .
[13] سورة طه ، الآية 82 .
[14] شرف الدين الاستربادي النجفي ، تأويل الآيات في فضائل العترة الطاهرة، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي ،(قم ، 1407)، ج1 ،ص 316
[15] سورة لقمان ، الآية 31 .
[16] شرف الدين الاستربادي النجفي ، المصدر السابق، ج 2 ،ص 473.
[17] أبو عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي ، المصدر السابق، ص311 .
[18] محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات،( قم : مكتبة الوجداني ،1404)، ص36.
[19]أبو عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المصدر السابق، ص3