في رحاب شخصية خاتم الأنبياء (ص)

إذا أردنا ان نتعرف على شخصية من شخصيات العظماء الذين خلدهم التاريخ، فلابد من معرفة بعض السمات التي اتصفت بها تلك الشخصية حتى احتلت هذه المكانة والشأنية، ومن تلك الشخصيات التي أضحت تعد من أعظم شخصيات التاريخ البشري وسادته هو خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد شهد بهذه العظمة في شخصيته (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القرآن الكريم، بقوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم)،

في رحاب شخصية خاتم الأنبياء (ص)

وهذه أعظم شهادة نالتها هذه الشخصية الألهية في هذا الوجود كله.
وهنا نشير الى كلام جميل لأحد العلماء، حيث يقول “أن للانسان قوتين”:
– القوة الأولى: القوة النظرية
– والقوة الثانية: القوة العملية

وان هناك كمال للقوة النظرية، كما أن هناك كمال للقوة العملية، فكمال القوة النظرية يكون بالعلم اذ كلما كان العلم أكمل كان الإنسان في بعد العقل النظري، فيما يكون كمال القوة العملية بالأخلاق، إذ كلما كان الإنسان أكمل في أخلاقه كان أكمل في قوته العملية وفي عقله العملي).

وقد عظمت شخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعظمة القوة العملية بالأخلاق وقوته النظرية بالعلم وبقية الفضائل الأخرى٠٠٠فبلغ أعلى درجات الكمال البشري.

من هنا وبسبب بلوغه ذروة الكمال أصبح (صلى الله عليه وآله وسلم) جعله الله تعالى للآخرين أسوة وقدوة يحتذى به في كل المستويات، قال تعالى (( ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله).

فالقرآن الكريم يدعونا جميعا الى الإقتداء بسيرة وسلوك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذه السيرة والسلوكيات التي تمنح الاستقامة والنبل والطهارة والخير لمن تأسى بها، هذه السيرة لو اخذناها كبرنامج عمل وسلوك وأخلاق.
فإذا أردنا أن نكون من أهل الصلاح و الدين وننال الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة علينا أن نحتذي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام).
حيث ان هذا التأسي والإقتداء لا يحصل إلا من اشتملت نواياه ودوافعه على أمور (ثلاثة) بحسب ماتقرره الآية الشريفة:
– الأمر الأول: من كان في قلبه صفة الرجاء وقد تعلقت نفسه بربها سبحانه وتعالى.
– الأمر الثاني: من تعلقت نفسه واعتقدت بيوم يقوم الناس فيه لرب العالمين، والإعتقاد بأن هذه الدنيا ليست هي نهاية المطاف بل هي مقدمة لحياة حقيقية وهي حياة الآخرة.
– الأمر الثالث: طاعة الله عزوجل بذكره وعبادته، وان يعمل الإنسان وفق حدود الله تعالى، وأن لا نغفل عن طاعته وذكره بحيث تتحرى عدم ارتكاب المعصية في ساحات العمل وفي السوق أو في التجارة أو في الدائرة.

هذه الأمور التي لابد من احرازها في أنفسنا، كي نهيئ أنفسنا للإقتداء والتأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام )٠
إن التأسي والإقتداء بأقدس الوجودات في عالم التكوين وهو خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أنه هو، هو الطريق الموصل الذي طرحته السماء كأنموذج كي يصل الإنسان الى الكمال والسعادة التي ينشدها الإنسان في حياته، وعليه فالإنسان الذي يبني شخصيته وعلاقتة بالله عزوجل وعلاقته بنفسه ومع الآخرين لابد أن تكون تلك العلاقة مبنية على سمات وخصائص تلك القدوة والأسوة وهي تلك الشخصية العملاقة في عالم الوجود بأسره الذي تكاملت في كل المستويات.

فعندما نأخذ جانب العبودية وعلاقه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالله عزوجل فلابد أن نلاحظ كيفية هذه العلاقة مع ربه، وكيف جسدها في حياته، فلوأخذنا ممارسة الصلاة التي تعتبر ركيزة أساسية في ميدان العلاقة مع الله فنراه (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظر إليها كمشروع رحب وواسع لذوبان العبد بالله روحياً وسلوكياً، فهي طريق لأزالة متاعب الحياة وهمومها فنراه (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما يحين وقت الصلاة يقول لبلال: ( قم يا بلال فأرحنا بالصلاة) فيراها (صلوات الله عليه) توجه ولقاء العبد مع ربه، ومفتاح هذا اللقاء هو محراب الصلاة.

وكم نحن بحاجة إلى هذا الإقتداء والتأسي في علاقتنا مع الله من خلال مفهوم الصلاة كي تؤثر فينا سلوكا وتبنى فيها شخصياتنا لتقوية علاقتنا بالله من خلال الجوانب الروحية والمعنوية بواسطة قوامها الأساس (الصلاة)، والتي تجسد معاني عبودية العبد بربه.

فعن الإمام أمير المؤمنين (ع) قال: (ولقد قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه واصفر وجهه. يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك فقال الله تعالى (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) بل لتسعد).

فهنا بين الإمام (ع) عبادة النبي (ص) وشدة ارتباطه بالله من خلال أداء الصلاة والقيام بها في آناء الليل، وكيف إحياؤه لها، وكان صلى الله عليه وآله يكثر من قراءة القرآن الكريم والإستغفار والذكر وكثرة الصيام المستحب، وهكذا بقيةالعبادات الأخرى، فان هذه الممارسات العبادية التي يقوم بها النبي الأكرم (ص) لم تكن كباقي العبادات التي يؤديها باقي الناس، بل كانت إدراك لحقيقة العبودية وجوهرها وما تقوم به من وظائف في تطهير النفس وتربيتها وشدة الأرتباط بالله تعالى، وتربية النفس على الفضائل وتنزيهها عن الرذائل، فأن نفسه سوف تتسامى وتتكامل في ميدان الطهارة والاستقامة من خلال هذه العبادات، فالنبي (ص) أعظم وجود في الوجود البشري في تجسيد العبودية لله عزوجل لذلك كان (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الإنسان الكامل في الوجود البشري ولهذا كان هو القدوة والأسوة في تجسيد الجانب الأخلاقي والروحي عند الإنسان.

المصدر: شفقنا

logo test

اتصل بنا