واحد وأربعون عاماً مرّت على جريمة أُطلق عليها جريمة العصر، رغم مرور أربعة عقود إلا أنه لا يزال الإمام حاضراً فينا فكراً ونهجاً ومقاومة. في ليبيا كانت آخر محطات الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين.
هذا ما عرف من قضيةٍ مضى عليها ما يزيد على أربعة عقود، لكن الأكيد أنها لم تُنسَ رغم سنين الغياب الطويلة. الامام موسى الصدر إمام المقاومة الذي كان من أوائل المتنبهين للمشروع الصهيوني المعدّ لمنطقتنا، فدعا إلى مقاتلة العدو وطرده بكل وسيلة متاحة.
وقد كتب مندوب حركة أمل في طهران “صلاح فحص” في افتتاحية صحيفة إيران مقالاً حمل عنوان “دروس من الامام موسى الصدر مهندس التساهل الديني”، إليكم نص المقال:
من بين أبرز القادة في التاريخ المعاصر يتمتع الإمام موسى الصدر بكل سمات القيادة الدينية والسياسية والاجتماعية، فانه وبعدما عرّف المظلومين على موارد ظلمهم وعرف بنفسه ما يجري عليهم من ظلم، تكوّنت ثورة في أعماق وجوده فدافع عنهم بكل ما أوتي من قوة وبكل عزم. إنه كان ملتزماً بقضايا أمته وشعبه، وإنما مواقفه وأنشطته التي تترجم بكل صدق أفكاره ومعتقداته الذاتية، تدلّ على هذا.
إن الامام موسى الصدر كان ملتزماً بالتعاليم الدينية والفردية فتظنه صوفياً وعابداً إن نظرت إليه، لكن عندما تنظر إلى سرعة سعيه لحلحلة المشاكل والخلافات التي تعصف بصفوف الآخرين، سرعان ما تتغير حينها رؤيتك وتقتنع بأنه ثورياً لا يرى التصوف علامة للتدين.
من السمات الأخرى للإمام الصدر هي حبه للقراءة، كان يطالع الكتب الدينية والعقائدية والفلسفية والتاريخية والعلمية، ويقول نجيب جمال الدين عن الإمام الصدر: إنه كان يستيقظ باكراً ويذهب إلى معهد الدراسات الإسلامية الذي أنشأه في صور فيقضي ساعات الصباح المبكر في الدراسة بحيث أن طلابه في المعهد كانوا يتركونه في هذه الساعات مع المطالعة دون أن يزعجوه ولو بمناقشة يستحسنون طرحها. وعلى المستوى الثقافية كان كثير الاستشهاد بالآيات القرآنية وكان يورد الكثير من الأمثلة في حديثه، ويستشهد بالشعر وكان يتقن اللغة الفارسية والفرنسية والانجليزية.
تلك المؤهلات جعلته محط اهتمام المثقفين من كل الطوائف اللبنانية، إذ كان يكفي اسمه أمام كل محاضرة ليجذب المئات في القاعة. أرسل احد الدبلوماسيين الأمريكيين الذي التقى بالإمام في إحدى المناسبات برقية إلى بلاده قال فيها: “قمت بزيارة مجاملة للإمام الصدر دامت ساعة، رغم أننا تحادثنا من خلال مترجم، فهو بدون جدال واحد من أكثر الأشخاص أن لم يكن الكثر إثارة للإعجاب من بين الذين اجتمعت بهم في لبنان، يتمتع بعيون حادة وراسخة، رغم أنه تكلم في أسلوب متجرد وهادئ، أستطيع أن أتخيله يحرض مجموعة من الرجال للجوء إلى أي إجراء متطرف يرغبه، موهبته الخارقة واضحة وإخلاصه الظاهر يبعث على الخوف، ركز لبعض الوقت على إعجابه بالتزام بلدنا بحقوق الإنسان وبالكتب التي قرأها عن واشنطن ولنكولن وآخرين من زعمائنا بعدئذ ناقش الخط الشيوعي، هو متفائل أن السلام يمكن أن يعود إلى هذا الجزء من العالم، وإن المسلمين يستطيعون أن يكرّسوا طاقاتهم لترميم انتهاكات الشيوعيين في السنوات الماضية”.
وفي المجال السياسي تكمن مؤهلات الإمام الصدر في قوته في قيادة الإنسان وقوته العجيبة في بناء العلاقة بالأجانب. كان يبتعد علماء الشيعة قبل دخوله الأراضي اللبنانية عن أماكن المسئولين، ذلك أنه لا يوجد بينهم قاسم مشترك لهذا كانت الشخصيات الشهيرة لا تعرف علماء الدين، وإن كانوا مشهورين في مجال العلم. لكن بدخول الإمام الصدر كسرت هذه القاعدة، إذ كان يرى من واجبه أن يخلع بأن الحاكم إن أغلق الباب بوجه كي يوصل رأيه إلى الحاكم وينقل أمانته إلى الناس والمسئولين. نجح الإمام الصدر في اقتحام هذه الأبواب حتى أصبح الأمر اعتيادياً.
بالرغم من كل حملات التشكيك، لكنه كان دائم التأكيد على عدم المس بأي إنسان. وكان يقول: أنا للجميع وإن كان هناك من يعتبر نفسه خصمي فأنا لست كذلك”.
المصدر: شفقنا