يعدّ الإمام موسى الصدر من أبرز مفكري العالم الإسلامي، إذ يقدم البحث في جوانب أفكاره لمنحه الإنسان المكانة الخاصة والأهمية التي يوليها له، الحلول للكثير من مشاكل الانسان المعاصر، يضم كتاب سفر شهادت (رحلة الاستشهاد) بين دفتيه مجموعة من محاضرات ألقاها الإمام موسى الصدر في الفترة الممتدة بين 1968 حتى 1978 دارت حول الإمام الحسين عليه السلام ودراسة شخصيته من كل الجوانب.
وكما يقول صهر الإمام موسى الصدر وابن أخته المهندس مهدي فيروزان، فإن الإنسان في فكر الإمام موسى يحتل المكانة المركزية في الكون وينظر الإمام إلى حادثة يوم الطف بنظرة إنسانية، ويرى أن إلحاق الضرر بإنسانية الإنسان وحقوق الإنسان وحقوق المجتمع وحقوق الطبيعة والاهم من هذا وذاك الكرامة الإنسانية هي المقدمة لظهور حادثة عاشوراء.
ويضيف فيروزان: إن الإمام موسى الصدر قام بعصرنة حادثة عاشوراء وقدم تفسيراً لشخصية الإمام الحسين عليه السلام سمته النظرة المعاصرة له. ففي عاشوراء قد ظهرت كل الرذائل الإنسانية وازدهرت في الجانب المقابل كل الفضائل الإنسانية، والاثنان قد ظهرا في يوم واحد. ينظر الإمام موسى الصدر من هذه الزاوية إلى قضية عاشوراء ويجهش بالبكاء، لكنه لا يتوقف عند حد البكاء. فإنه يستنبط الحرب الهادفة لتحقيق العدالة من قلب عاشوراء، لكن الهدف كله لا يتجلى في الحرب، بل يستخرج القوانين الإنسانية من حادثة عاشوراء ويستفيد منها لعصره.
ثم يشير فيروزان إلى ثلاثة أنواع من الأعداء كما تجلى الأمر في أفكار الصدر بالقول: إن الصدر يرى بأن هناك ثلاثة أعداء للإمام الحسين عليه السلام. الأعداء الذين قتلوا الإمام وحاربوه، ويرى الإمام الصدر أن هذا هو أدنى أشكال العداء، الفئة الثانية هم الذين أزالوا آثار الإمام الحسين عليه السلام، ومنهم من زورا الأحاديث ودمروا مقبرة الإمام وقضوا على الأحاديث التي نقلت عنه، فانهم أكثر بربرية وخطراً من الفئة الأولى. أما الفئة الثالثة فهم الذين قلبوا أفكار الإمام الحسين عليه السلام رأساً على عقب وشوهوا الصورة المعرفية للإمام وحددوا الإمام في إطار العزاء فإنهم الأعداء الحقيقيون.
وعن نظرة الصدر للإنسان صرّح: إنما الإنسان هو الذي يهم الصدر، فأنه أولى ممن سواه، فإذا نظر الصدر إلى حادثة ما فإنه ينظر إلى الإنسان فيها، هناك أربع نظرات إلى عاشوراء: العاطفية وتتجلى في إقامة العزاء. والحماسية التي اصطبغت منذ قرن أو أكثر بالطابع السياسي نتيجة للتطورات الإقليمية. النظرة الثالثة هي نظرة الظلم والعدالة والنظرة الأخيرة هي النظرة الإنسانية إلى عاشوراء، إذ تظهر فيها مفاهيم مثل الكرامة الإنسانية وتعريف المرأة والأخلاق. ففي هذه المقاربة يظهر الإنسان بما هو إنسان حتى لو واجهني وعاداني، لكنه لما كان مخلوق الله فله كرامة.
وأضاف: في كتاب رحلة الاستشهاد أوردنا جانباً من أفكار الصدر حول عاشوراء إذ استخرج منها القوانين المدنية، إذ بالإمكان استخراج قوانين العدوان والبيئة وحقوق المرأة والرجل ودور المرأة والحوار، وتتسم نظرة الصدر إلى عاشوراء بهذه السمة.
واستطرد قائلاً: إن الإمام الحسين عليه السلام هو إمام وليس قائداً، فزيادة عدد القتلى هو ما يطلبه القادة وليس الإمام، إذ يطالب الإمام بعدم مقتل العدو لعله يصلح نفسه، ذلك أن الإمام يريد تحقيق الدين على الأرض ويريد إبراز الجانب الإنساني في الإنسان، ولا تهمه السلطة والدنيا. فلا السلام له الأصالة في عمل الإمام ولا الحرب ولا الصمت، ان الأساس عند الإمام هو هداية الإنسان وعلى هذا يمكن القول بأن الحرب والسلام وسيلتان لصنع الإنسان وانضمام العدو لمعسكر الحقيقة.
وعن أهم ما ورد في الكتاب عن الإمام الصدر قال: إنني أرى بأن أهم عنصر في حركة عاشوراء هو الحوار ورفع الإمام الحسين عليه السلام لواء الحوار، إذ كان يستغل أي فرصة لمحاورة العدو ويرسل الرسائل وكان يستخدم مختلف الأساليب في هذا الأمر، إذ كان يتحدث إلى الشباب عن ظلم يزيد وفساده، أما عند محادثة كبار السن فأنه يذكرهم بنسبه وبالنبي.
أما عن محاولة الصدر حلحلة قضايا المجتمع اللبناني والشيعة بأخذ العبر والدروس من حادثة عاشوراء قال: إنني أرى بأن الصدر قد ربط حادثة عاشوراء بالتاريخ، فإن نظرته إلى حادثة يوم الطف تتجلى في الحؤول دون اشتعال فتيل النار والحرب، ويحاول عبر شتى الطرق حلحلة الأمور بالحوار حيث يقول: إنني حاولت في 56 مرة الوقوف بوجه اندلاع الحرب. وكان دائم التأكيد على أن حل مشكلة لبنان يمر عبر الحوار.
وعن نظرة الإمام موسى الصدر لمراسم العزاء قال: إن الإمام الصدر كان يؤكد على أنه لو خرج المرء من مجلس عزاء الإمام بعدما تأثر بخطبة الخطيب وبكى، لكنه واجه نفس الظلم ولم يبذل أي مساعي لإصلاح الأمور، فهذا المرء لم يعرف الإمام الحسين عليه السلام. وكان الصدر يصنفه ضمن الفئة الأولى من أنواع النظرات إلى الإمام.
وعن نظرة الصدر إلى شخصية السيدة زينب سلام الله عليها قال: إن السيدة زينب عند الصدر هي شخصية بمستوى الإمام، إن زينب تعني تلك الشخصية التي تكمل الرجل فإنها رجل في صفوف الرجال وامرأة بمستوى الرجل. فأنها قامت بأعمال عدة وأكملت حركة الإمام الحسين عليه السلام، إذ ألقت الخطبة وأدارت الأمور وجاءت بالأسرى في مجلس يزيد. إن الشهادة عند السيدة زينب ليست شهادة فحسب بل إنها كما جاء على لسان: “ما رأيت إلا جميلاً”.
جدير بالذكر بأنه قامت مؤسسة الإمام الصدر الثقافية البحثية بنشر كتاب سفر شهادت (رحلة الاستشهاد) وهو مكون من 257 أضيفت إليه صور ويضم 16 خطبة من خطب الصدر حول الإمام الحسين عليه السلام. اغلب هذه المحاضرات ألقيت في لبنان وفي فترة شهدت أغلب التطورات في هذا البلد في القرن الفائت، إذ كان يعاني الحرب الداخلية من جهة ومن جهة أخرى كان الكيان الصهيوني قد احتل هذا البلد.
المصدر: شفقنا