لا شك أن الذي أكسب عيد الغدير هذا الحجم من الأهمية هو دلالته على مبدأ الولاية، وبهذه المناسبة نشر موقع مكتب سماحة آية الله العظمى السيد “علي الخامنئي” مقتطفات من خطاباته بمناسبة حول ذكرى عيد الغدير الأغر لتعميم الفائدة للجميع.
* احياء الغدير بمعنى أحياء للاسلام
الغدير حدث مهم واصولي يرتبط باهتمام الاسلام باهم ركن من اركان تشكيل النظام الاسلامي والمجتمع الاسلامي، ألا وهو ركن الامامة والولاية،واحياء الغدير يعني احياء الاسلام، والقضية ليست فقط قضية الشيعة والمؤمنين بولاية الامام علي بن ابي طالب عليه السلام. نحن الشيعة والذين ندّعي اتّباع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لو شرحنا حقيقة الغدير بصورة صحيحة، وأدركناها ووعيناها، وعرّفنا الآخرين إليها، فإنّ قضية الغدير يمكنها أن تكون من بواعث الوحدة. إنّ قضية العقيدة القلبية وارتباط نحلة دينية ومذهبية بمبدأ عقيدي هي بحث ومعرفة القضية. لقد قام الإسلام بإظهار أرفع قضية في مورد تشكيل المجتمع الإسلامي والنّظام الإسلامي والعالم الإسلامي في قضية الغدير. أملنا أن نكون بصدد الوصول إلى مجتمع اسلامي ونظام اسلامي وعالم اسلامي في قضية الغدير. أملنا أن نكون بصدد الوصول إلى المفهوم والمضمون والمعنى الحقيقيّ للغدير والولاية بكلّ ما تعنيه الكلمة في الواقع.
* الغدير لايعني فقط تعيين خليفة للرسول الاكرم (ص) بل الاهتمام بقضية الامامة
أعتبر سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي تعيين خليفة النبي (ص) من جانب الله عز وجل، ولفت الانظار الى مسالة الامامة بانهما جانبان اساسيان لواقعة الغدير واضاف، ان قضية الامامة لاتنحصر بالشيعة فقط، ان الامامة تعني امساك شخص او مجموعة بزمام قيادة البشر والمجتمع وتعيين اتجاه سيرهم في امر الدين والدنيا لذلك فان الامامة في هذا المعنى كانت المسالة الرئيسية لكافة المجتمعات الانسانية على مدى التاريخ.
* الغدير عيد الله الاكبر
قال سماحة آیه الله خامنئی في خطاب له بمناسبة حول عيد الغدير الاغر قائلا، عبّرت آثارنا الإسلامية عن يوم الغدير بتعابير من قبيل “عيد الله الأكبر”، و”يوم العهد”، و”يوم الميثاق المأخوذ” وهو ما يعكس وجود اهتمام وتأكيد خاص لهذا اليوم الشريف، وأهم ما يمييّز هذه التعابير هو موضوع الولاية. إن الضمانة الوحيدة لتطبيق أحكام الإسلام هو وجود الحكومة الإسلامية المؤمنة بسيادة أحكام القرآن، وإلا فحتى لو كان لسائر أفراد المجتمع مؤمنون وعقائديون، لكن زمام الأمور ـ سواء في مرحلة التشريع أم في مرحلة التنفيذ ـ بيد الآخرين، فسيبقى تطبيق أحكام الإسلام رهينا بمدى إنصاف الممسكين بزمام الأمور، فإن كانوا مجانبين للإنصاف يحلّ بالمسلمين هناك كالذي تشاهدونه اليوم في كوسوفو، وشاهدتموه بالأمس في البوسنة والهرسك، وما كان يجري في بلدنا الإسلامي إيران. أما إذا كان لدى الحكام شيء من الإنصاف فهم يسمحون للمسلمين بمراعاة بعض أحكام الإسلام في إطار دائرة بيوتهم، أو على أكثر الاحتمالات ضمن دائرة الحارة والمحلّة، ولكن بعيداً عن التطبيق الكامل لأحكام الإسلام.
* اذا لم يتخلفوا..
ان المجتمع الانساني، له كما في السابق احتياجات اولية، العالم يعاني اليوم من الجوع والتمييز الواسع وفي كل مكان والهيمنة والتسلط الظالم لبعض الناس على البعض الاخر، وهي نفس الصورة التي كانت موجودة قبل اربعة آلاف سنة وقبل الفين سنة ولكن باشكال اخرى. ان البشرية اليوم تعاني من نفس القضايا التي كانت تعانيها من قبل ولكن في لون اخر. ان واقعة الغدير هي مسيرة كان يمكنها ان تغير من حياة البشرية وتخرجها من تلك المرحلة الى مرحلة اخرى. فالرسول الاكرم(ص) حاول تصحيح قواعد الحياة البشرية واذا لم يتخلفوا عن وصايا الرسول في واقعة الغدير لكان الامر الان يختلف كثيرا. على مدى 250 عام من حياة الائمة الاطهارعليهم السلام اي منذ بعد رحيل الرسول (ص) حتى استشهاد الامام العسكري (ع) ، حاولوا كثيرا ان يستعيدوا مرحلة السير على خطى الرسول الاكرم (ص) الا ان الامر لم يتحقق لهم. والان اننا نعيش في هذه الفترة الزمانية دخلنا الساحة ولدينا الاستعداد بفضل الله تعالى وان شاء الله سوف نواصل المسيرة بافضل وجه ممكن .
* الغدير مصدر للوحدة
إنّ مسألة الغدير بإمكانها أن تتحوّل إلى مصدر للوحدة بين المسلمين، كما أشار إلى ذلك الشهيد مطهري ضمن مقال حمل عنوان” الغدير و الوحدة الإسلامية”، اعتبر فيها أنّ كتاب الغدير ـ الذي تدور محاوره حول واقعة الغدير ـ يمثل أحد أبرز أركان الوحدة الإسلامية، وهذا صحيح بالرغم من أنه قد يبدو غريبا بعض الشيء لكن الواقع هو هذا. فإضافة لما تثيره مسألة الغدير من اهتمام الشيعة باعتبارها تمثل بالنسبة لهم بعدا اعتقاديا ـ لما تنطوي عليه من تنصيب لأمير المؤمنين(ع) من قبل رسول الله(ص) وهو ما ورد صريحاً في حديث الغدير ـ فإنها تتضمن مسألة مهمة وهي مسألة الولاية بحد ذاتها، وهي مسألة تتسامى وتعلو على البعد الطائفي.
ولو تسنى، اليوم لمسلمي العالم والشعوب الإسلامية أن يرفعوا شعار الولاية الإسلامية ويسيروا تحت مظلته، فإن الكثير الكثير من الغايات التي لم تتحقق و الأزمات المعقدة التي لم تجد حلا لها والتي لا زالت الأمة الإسلامية تعاني ويلاتها ستجد طريقها إلى الحل.
* واقعة الغدير .. اهتمام رسول الاكرم بقضية ادارة المجتمع الاسلامي
إن قضية الغدير وتنصيب أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) وليا على أمر الأمة الإسلامية من قبل النبي الأكرم (ص) ،قضية عظيمة وذات دلالات عميقة في إدارة المجتمع. إن معنى هذه الحادثة التي وقعت في يوم الثامن عشر من ذي الحجة في السنة العاشرة من بعد الهجرة النبوية ،أن الإسلام يدرك أهمية مسألة إدارة المجتمع، فلم يهملها أو يتعامل معها ببرود، والسبب في ذلك أن إدارة المجتمع في أكثر مسائله تأثيرا، وان تعيين أمير المؤمنين الذي هو تجسيد للتقوى والعلم والشجاعة والتضحية والعدل من بين أصحاب النبي يثبت أبعاد هذه الإدارة، وبذلك يتضح أن هذه الأمور هي التي يجب توفرها في إدارة المجتمع. أنّ رسول الله (ص) قد كشف من خلال امتثاله للأمر الإلهي القاضي بتنصيب أمير المؤمنين(ع)، عن حقيقة مهمة تتمثّل في أنّ هذه المهمة العظمى، وهي مهمة زعامة الأمة في المنظور الإسلامي، ليست أمرا يمكن إحالته لمن توفرت فيه بعض المعايير الإسلامية دون بعضها الآخر. كلا، فمثل هذا الأمر العظيم لا بدّ فيه من توفر كافة المعايير الإسلامية مائة بالمائة. فكل ما كان يعدّ في نظر الإسلام، وبنظر العقل المنصف أيضا، قيمة وفضيلة نجده قد اجتمع في أمير المؤمنين عليه السلام. فإيمانه وإخلاصه وتضحيته وإيثاره و تقواه و جهاده و سبقته للإسلام، و إعراضه عن كل ما سوى الله وعن كل غاية لا تنتهي إلى الله، و زهده في الدنيا و زخرفها و ملذاتها، وعلمه ومعرفته وإنسانيته حيث كان قمّة في الإنسانية على كافة المستويات… كل تلك السمات كانت بارزة في حياته وسيرته عليه السلام. فكل ما كان يعدّ في نظر الإسلام، وبنظر العقل المنصف أيضا، قيمة و فضيلة نجده قد اجتمع في أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، إنّ معنى هذا التنصيب هو الاهتمام بجميع تلك القيم والمعايير وتأصيلها. ان هذا يؤكد ان ادارة شؤون المجتمع الاسلامي من وجهة نظر الاسلام والرسول الاكرم (ص) سواء من الناحية الحكومية ان الولاية يجب ان يتم متابعتها وبشكل مطلوب.
* علي «اعدلكم في الرعية»
قال الرسول الاكرم (ص) في بيان صفات امير المؤمنين (ع) (علي عدلكم في الرعية). ان عدالة امير المؤمنين تشمل في الجانب الذاتي والجانب المعنوي وكذلك العدالة السلوكية والعدالة الاجتماعية. ان هذه الاشياء يمكن بسهولة بيانها اما تحقيقها عمليا فانها توصل الانسان الى عظمة حقيقة الوجود ولايمكن الوصول اليها الا الذي تجسدت فيه هذه الحقيقة . ان العدالة بمعناها الحقيقي قد تجسدت في وجود امير المؤمنين في سلوكه وتقواه وفي اهتماماته، كما تجسدت العدالة في سلوكه الخارجي مع المجتمع بشكل واضح. ان الرسول الاكرم قد نصب بامر من الله تعالى عليا وليا للمسلمين، ولهذا فان قضية الغدير وبهذا المضمون تعتبر قضية متعلقة بالمسلمين كافة لانها تعني السيادة والعدل والفضيلة وسيادة ولاية الله تعالى.
* البشرية لايمكنها ابدا، ان تنسى 5 سنوات من حكومة الامام امير المؤمنين
مثل الإمامة القمة في الأسلوب المتبع في إدارة شؤون المجتمعات، مقارنة بسائر الأنظمة الإدارية الأخرى القائمة على الشهوات و التكبّر و الغرور و الطمع. لقد قدّم الإسلام للبشرية، الإمامة منهجا في إدارة الحكم، بمعنى أن شخص الإمام لا بد أن يتمتع بقلب يفيض بأنوار الهداية الإلهية، وله إحاطة واسعة بالمعارف الدينية ومدرك لها ـ أي قادراً على تحديد الطريق الصحيح ـ ويمتلك قدرة على العمل و التنفيذ ـ أي مصداقاً لـ ((يا يحيى خذ الكتاب بقوة)) ـ أما نفسه و رغباته و حياته الشخصية فهيّنة عليه، وحياة الآخرين وسعادتهم أهم شيء بالنسبة له، وهذا ما جسّده أمير المؤمنين في سني حكمه التي لم تتجاوز الخمس. فأنتم تلاحظون أنّ الفترة القصيرة التي حكم فيها أمير المؤمنين و التي لم تتجاوز الخمس سنوات كانت دائماً و لا تزال تتوهّج و تنير الدرب للبشرية التي لم و لن تنسى ما تركته لها من قيم و مفاهيم سامية. و هذه إحدى النتائج التي تمخّضت عن الدرس و التفسير و المفهوم الذي انطوت عليه حادثة الغدير.
المصدر :الحوار الدینی