الامام علی (علیه السلام): إنَّما سميَ الصديق صديقاً لأنَّه يصدقك في نفسك ومعايبك فمن فعل ذلك فاستنم إليه فإنه الصديق
تعتبر الصداقة إحدى العلاقات المميزة في مجتمعنا، وذلك لأنّها تساعد على بلورة شخصية الإنسان إلى الأفضل، خاصةً مع توافر الأخلاق الحسنة، كما أنّها تكون مبنيةً على الاهتمام المتبادل، والمحبة الصادقة التي تظهر من خلال القلق على كلّ ما يصب في مصلحة الصديق، بالإضافة إلى أنّ هذه العلاقة تكون مستمرة بشكل دائم، وإن كَثُرت مشاغل الحياة.
نلاحظ أن مولانا الإمام علي (عليه السلام) اهتم بهذا الجانب اهتماما واضحا في نهج البلاغة وهناك خطب وأقوال الإمام حول مفهموم الصداقة ومقومات الصداقة الناجحة، فقد روي عن الإمام علي (عليه السلام): (من النعم الصديق الصدوق) يبين لنا أهم صفات الصداقة والأخوة الحقيقية، التي يجب توفرها بين الأصدقاء لتكون الصداقة ناجحة، وتدوم إلى الأبد، ويرشده للصواب إذا وقع في الخطأ، ويقبل النصيحة من الآخرين، وأن يكون لصديقه كالظل يتبعه في كل مكان، وينشر محاسنه ويستر عيوبه ولا يكشفها للآخرين، ويقبل اعتذاره ويسامحه، ويصدقه ويثق به، فإذا فعل كل ذلك بصدقٍ فهذا هو الصديق الحقيقي.
وفي محور آخر قال ((إنَّما سميَ الصديق صديقاً لأنَّه يصدقك في نفسك ومعايبك فمن فعل ذلك فاستنم إليه فإنه الصديق)) وعلى الصديق أن لا يُكثر من اللوم والعتاب بينه وبين صديقه، وذلك من أجل الحفاظ على ديمومة الصداقة بينهما، واستمرارية العلاقة الاجتماعية بين الأصدقاء، وأن ينسى زلاته وهفواته معه، ويتحمله ويصبر عليه إذا ورد منه خطأ غير مقصود، إذ روي عنه (عليه السلام) في هذا الشأن أنه قال: (من لم يحتمل زلل الصديق مات وحيداً).
ويشترط على المرء المؤمن إذا أراد أن يختار صديقاً يحمل كل معاني الصداقة الحقيقية، وأنه إذا غضب عليك لم يذكرك بسوءٍ أكثر من مرةٍ أصبح حقاً عليك أن تتخذه صديقاً وأخاً لك، وهذا ما أكده وما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، إذ أنه قال: ((إنْ غَضِبَ عَلَيْكَ مِنْ إِخْوَانِك ثلاث مَرَّاتٍ فَلَمْ يَقُلْ فِيكَ شَرّاً فَاتَّخِذْهُ لِنَفْسِكَ صَدِيقاً).
مقومات الصداقة
الصداقة العقلانيّة الحكيمة يُعتبر الشخص الذي يمتلك صديقاً وحكيماً ومُرشداً ومُلهماً للصواب شخصاً محظوظاً جداً؛ لأنّ صديقاً كهذا يكون لديه نهج خاصّ وطريقة مميّزة في توعيّة من حوله وإرشادهم، وعادةً ما يلهم أصدقاءه ليكونوا أشخاصاً أفضل دون إزعاجهم وتعمّد إشعارهم بالإحباط أو الاستياء من أنفسهم أو ممّا يتملكونه، إضافةً لأنّ البقاء مع شخصٍ مثله يُحفّز المرء ليكون أفضل، ويدعمه لتحسين نفسه والارتقاء بها وتطويرها باستمرار، وليس من الضروري أن يكون هذا النوع من الأصدقاء زميلاً في نفس العمل، أو يشترك معه في نفس الهوايات والاهتمامات، بل هو شخص طيب ولطيف يُبادر بخطواتٍ بسيطة اتجاه أصدقائه لدعمهم ومساعدتهم في الحياة، ولديه ما يكفي من الحكمة والصبر لإرشادهم وكسب محبتهم واعتمادهم.
الصداقة المَرِحة والإيجابيّة
يتأثر المرء بوجود صديق مرح وإيجابيّ في حياته، لأنه يخرج الجانب الطفوليّ والمَرِح والعفويّ فيه، إضافةً لجعله يشعر بالسعادة وإدخال البهجة لقلبه، ورسم الابتسامة على وجهه عند مقابلته؛ لأن شخصيّته مرحة ولطيفة تجذب من حوله وتُسعدهم، وقد يكون مُحِباً للخروج والمتعة والتنزّه، ويهتم بالحصول على وقت مريح للاسترخاء والاستجمام والتسليّة أيضاً، بالتالي من الجيّد مرافقته والانسجام معه؛ لنسيان الإجهاد وضغوطات الحياة، والتخلّص من التوتر والحصول على طاقة إيجابيّة ودفعة معنويّات عاليّة باستمرار.
الصداقة المبنيّة على التواصل والحوار
يكون هنا الصديق شخص قادر على الاستماع، ويتحلى بالصبر والتأني، والاهتمام بالغير، حيث يذهب إليه المرء عندما يحمل في جعبته الكثير من الأفكار والكلمات والحورات التي يحتاج أن يبوح بها لشخص يُنصت له ويحترمه، ويدعه يُعبر عمّا يدور في خاطره بطلاقةٍ، ويُعيره آذانه ويتركها مفتوحة له بصدرٍ رحب دون إصدار حكم مُتسرّع أو الحاجة إلى التدخل ومقاطعته وإزعاجه، حيث إنّ هذا الصديق يتحكم في ردة فعله ويعرف كيف يتصرف ويُدرك حاجة صديقه للبوح والتعبير، هؤلاء هذا النوع من الأصدقاء مُستمعون ماهرون، يُجيدون الرد في الوقت المناسب ويلجأ لهم الآخرون في وقت الشدّة وعند تراكم المشاعر والحاجة للتنفيس عنها، وإخراجها دون ترددٍ أو خوف من ردود أفعالهم.
فئات الصداقة تبعاً لعمق العلاقة تتنوّع الصداقات بين الأشخاص تبعاً لقوّة الروابط والعلاقات والتواصل بينهم، وتتضمن الفئات الآتية:
الصداقة المُقرّبة العميقة: يعتمد الصديق على صديقه في هذه العلاقة بشكل كبيرة، ويفخر بصداقته به، فيراه موضعاً للثقة وصندوقاً أميناً يحفظ الأسرار ويصونها ويقف بجانبه في الأمور الهامة والمؤثّرة في حياته.
الصداقة المُريحة والمُطمئنة: يكون الصديق في هذه العلاقة نزيهاً، يرتاح له باقي الأصدقاء وينعمون بالسرور والبهجة والارتياح عند التواجد معه، الأمر الذي قد يجعلهم راغبين في التقرّب منه بشكلٍ أكبر، ويفضّلون توطيد العلاقة معه ودعمها متى ما سمحت له الفرصة.
صداقة المعرفة: في هذا النوع تكون الصداقة أقل عمقاً، وتكون مع أشخاصٍ تعرّف المرء عليهم منذ مدّةً طويلة، وأصبحوا جزءاً من حياته ويلتقيهم بشكلٍ دائم، لكن رغم تواجدهم سويّاً وبشكلٍ مُنتظم إلا أنهم ليسوا مقربين له جداً، وتواصلهم معاً سطحيّ لكنه موجود بالفعل.
الصداقة الرسميّة: في هذه الصداقة يلتقي الأشخاص في المناسبات العامة والرسميّة، كاللقاء في النادي الرياضيّ كلّ أسبوعٍ، أو في اجتماع الآباء في المدرسة؛ ويكون الاجتماع بينهم أمرٌ ممتع لكنه محدود، بحيث لا يرغب الشخص بالاختلاط اجتماعياً معهم والتعمّق بهم، أو التعرّف عليهم أكثر، بل يكتفي بجعل العلاقة رسميّة ومحدودة بينهم بناءً على الظروف المُختلفة التي جمعتهم.
الفرق بين صداقة الذكور والإناث
رغم أنّ الصداقة الحقيقة تُبنى في الأساس على مقوّمات ثابتة تضمن دوام العلاقة واستمرارها واتزانها بين الأقران بغض النظر عن أجناسهم وطرق اختيارهم لبعضهم، إلا أنّ الخبراء يجدون بعض الفروق بين صداقة الإناث والذكور، ومنها الآتي: تميل النساء للبحث عن علاقاتٍ مُتماسكة ومُترابطة ووثيقة بحيث يُمكنهن فيها البوح بالأسرار والخصوصيات دون قلقٍ أو تردد بينما يميل الرجال إلى تكوين الصداقات التي يشتركون فيها بأمورٍ معيّنة، أو اهتمامات وأنشطة موحّدة، كمشاهدة أو ممارسة الرياضة مثلاً. تكون صداقات الذكور أكثر ديمومة في مُعظم الأحيان؛ لأنها تتطلب مقوّمات وأشياء أقل من أطرافها الأمر الذي يختلف عما تتطلبه صداقات الإناث واحتياجاتهنّ من بعضهن.
تحتاج صداقات الإناث للتواصل المُستمر وجهاً لوجه، وتميل لأن تكون أكثر عاطفيةً وودّاً بحيث تتشارك الفتيات الأفكار والمشاعر وتقديم الدعم المعنويّ أكثر من صداقات الذكور التي يُفضّل أطرافها البقاء جنبًا إلى جنبٍ ودعم بعضهم عند الحاجة دون اللقاء وجهًا لوجه، وقد تكون أقل عاطفيّة وحميمية من علاقات الإناث.
المصدر: شفقنا