من منظومته الفكرية المتكاملة والشاملة، لازالت مكانة الإمام علي “ع” تتجاوز كل مذهب وطائفة وتاريخ، فهو لكل العالم، دستور في العدالة الإنسانية ومرجع للمساواة والمحبة، وكلمة حق في وجه سلطان جائر، إليه تشخص الأبصار من كل حدب وصوب لتستلهم منه الدروس والعبر والمواعظ فكان دستورا لجميع المذاهب.
وقد شكلت حياة الإمام علي “ع” مدرسة تغذي روح الإنسان وتهديه إلى طريق الحق المنير، وتجلت في شخصيته صفات العدالة والرأفة والتسامح، والتي هذب فيها نفوس الكثيرين من الذين ضلوا طريقهم، وقد تأثر الفكر المسيحي بمبادئ الإمام علي الإنسانية وبمنظومته الفكرية، واستلهم من فكره دروسا ومواعظا أرسى اعمدتها السيد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام.
وليس من إنسان أجمعت عليه البشرية كلها بفضائله وبعلمه أو استفادت من إنتاجه كالإمام علي “ع”، “فالفكر هو علي”، يقول متروبوليت صور وتوابعها للروم الملكيين الكاثوليك المطران ميخائيل أبرص، مضيفا “وكل ما أتى به إنما كان نوراً للعالم أجمع ولم يكن لشخص واحد أو دين واحد، أضف إلى بلاغته، فهو لم ينطق بالخطأ بل كان سيد البلغاء والمتكلمين”.
ولا شك أن الرسالات كلها كانت حركة واحدة بل حلقات لسلسلة إلهية ترتقي بالإنسان إلى عالم الروح والقرب من الله، وتواكب مسار الهداية التي تحتاجها البشرية، ولذلك كانت كل الرسالات تمهّد لبعضها البعض.
وقد ارسل الله السيد المسيح “ع” ليبني عالما جديدا، يتحاور فيه البشر ويتحابون، يحترمون اختلافهم، متكاتفون في محاربة الشر، يدعون إلى السلام والوحدة، فالمسيح “ع” يرى أن محاربة الشر تكون بالغفران والانفتاح والمزيد من الحب.
ويرفض المطران أبرص أن يضع مقارنة بين السيد المسيح والإمام علي عليهما السلام، لأن القيم هي نفسها بين كل الاديان، يقول في حديث خاص لـ”شفقنا”، مضيفا: فلا دين يدعو للقتل، إنما للمحبة وقيمة الحياة، والنزاهة والعدالة، فلا يمكن أن يأتي انسان ويتكلم بعكس القيم الدينية المعروفة”.
وقال: “نحن دائما بحاجة الى فكر الامام علي وحكمته، لأن ما قاله وأتى به لم يكن لشخص واحد إنما للعالم”.
ودعا المطران ابرص إلى التعمق في سيرة ومسيرة علي واسلوب حياته، وأن يسير الانسان على هذه الاقوال، عندها يكون قد تبع إيمانه الصحيح، إن كان مسيحياً أو مسلماً او بوذياً.. لافتا إلى أن ما قاله الامام علي لم يكن لطائفة معينة، إنّما أتى بقيمٍ يقبلها كل الناس، وكل الاديان تدعو لها، وبالتالي نحن بحاجة دائمة الى مطالعة ما قاله ومراجعة حياته وكيف كان يعيش ليكون درسا للبشرية.
واضاف “ان ما جاء به الإمام علي “ع” وكتبه لعصره ما زال صالحاً ليومنا هذا، وما احوج مجتمعاتنا اليوم الى هذا الفكر الذي يتماشى مع السبل الصحيحة والقويمة التي وضعها الإمام كي يصل العالم الى بر الامان”.
اذا، لقد عاش كثير من المسيحيين مع الإمام علي “ع” في القرن السابع ميلادي وبداية أيام هجرة الرسول “ص”، وإن كان السيد المسيح “ع” قد نادى بالمحبة والمساواة والعدالة والحرية، فإن الإمام علي “ع” خرج بهذه الشعارات واستشهد من أجلها، فكانت نورا يستضاء به، وشعلة لدستور يحمل مناهج الحق في طريق قلّ سالكيه.
المصدر: شفقنا