“وإنك لعلى خلق عظيم”.. وصف لم يحظَ به أحد على الاطلاق من قبل الله تعالى فيما وصل الينا من بيانات السماء، الا للنبي الاعظم (صلى الله عليه وآله).
قد يخطر في البال تساؤل: هل يا ترى ان الله تعالى كان بصدد المديح فقط، او إظهار صفة مخفية عن الناس في ذلك الوقت ؟!
فالنبي الاعظم (صلى الله عليه واله) كان معروفا باخلاقه منذ نعومة اظفاره ولقبه بين الناس كان مشهوراً بـ (الصادق الامين) وقصص اخلاقه قبل نبوته مسطورة في كتب السير، ولسنا بصدد استعراضها الآن.
لنحاول قراءة هذه الآية بعين المستقبل، فمضافا الى تأكيدها لهذا المعنى في زمن نزولها ردا على بعض المشككين والمنافقين، فكأنها تنظر في ذلك الزمن الى زمانٍ قادم تختلط فيه الموازين عند البشر فيعدون الفضيلة فيه رذيلة وبالعكس.
هذه الآية العظيمة هبة كبيرة للاطمئنان النفسي للمؤمنين ضد الشبهات التي اثيرت بسبب النظر القاصر لبعض المتلبسين بزي العلم والعلماء، والتي يمكن ان تثار في قادم الايام من بعض المقلدين لأولئك المتلبسين بعد تبدل موازين الاخلاق الحسنة في اغلب بقاع العالم وانتشار المادية المفرطة فيه، وانحسار المبادئ الروحية والاخلاقية، بحيث اصبح يصفق للكاذب ويتبع، ويترك الصادق غريبا.
الجانب الغيبي لـ” وإنك لعلى خلق عظيم”
فالآية لا تخلو من الجانب الغيبي في هذه المسألة، فنحن نرى اليوم التجنيد الغربي الكثيف للاساءة الى شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) بواسطة الرسوم وغيرها، لانهم يعرفرن من اين يبدأون فرأس الهرم هو القداسة الموجودة للنبي (صلى الله عليه وآله) عند المسلمين.
فلو نجحوا في التشكيك باخلاقه (ولو عند البعض من البُلّه) سيعدونه انجازا كبيرا لهم وبداية لما يرومون تحقيقه في نهاية المطاف.
ولا عذر لهم باحتجاجهم ببعض المرويات الصفراء التي تشوه صورة النبي (صلى الله عليه واله) في بعض الكتب مثل (البخاري) ومن لف لفه.
فالمنصف يجب ان يقرأ سيرته (صلى الله عليه وآله) كاملة بكل تفاصيلها وظروفها واهدافها، حتى يخرج بحكم، وما نجده من انبهار بعض الشخصيات الغربية بشخص النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) لم يكن الا بعد هذه القراءة لسيرته بانصاف وفهمها خصوصا اذا كان المعتمد فيها كلام اهل البيت (عليهم السلام)، فهم اعلم برسول الله من كل احد.
اين يوجد في العالم رئيس دولة يعترض عليه بدوي غليظ ويجلبه من ازاره ويؤثر في رقبته، ولا يفعل له شيئا بل يوضح له ما التبس عليه من الامر، بكل هدوء.
وغير ذلك الكثير من قصص تواضعه العجيبة، ومن شدة ماكان يؤذونه (صلى الله عليه واله) انزل الله تعالى قوله: “إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا”(١).
الادب الرفيع للنبي الاعظم (صلى الله عليه واله) يصفه لنا اهل بيته وخاصته، فهذا حبيب النبي وريحانته الحسين يسأل عن اخلاق جده النبي، أباه امير المؤمنين (صلوات الله عليهم اجمعين) فيجيب في حديث طويل نأخذ منه هذه الفقرات:
“وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطى كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرجع إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه خلقه وصار لهم أبا وصاروا عنده في الخلق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ولا ترتفع فيه الأصوات”.
“كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخاب، ولا فحاش، ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، فلا يؤيس منه، ولا يخيب فيه مؤمليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والاكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عثراته ولا عورته. ولا يتكلم إلا في ما رجا ثوابه”(٢).
ونختم بكلام حفيد النبي الامام الصادق (عليه السلام ) حيث قال:
“ان الله عز وجل أدب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فأحسن أدبه، فلما أكمل له الأدب قال: “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” ثم فوض اليه امر الدين والأمة ليسوس عباده، فقال عز وجل: “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا” وان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان مسددا موفقا مؤيدا بروح القدس لا يزل ولا يخطئ في شىء مما يسوس به الخلق، فتأدب بآداب الله.”(٣).
والحمد لله اولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله أبدا.
عبدالناصر السهلاني
المصدر: شفقنا