كان امير المؤمنين علي "عليه السلام" اكثر الناس حرصاً على نشر الرسالة الاسلامية، وقد ظهر ذلك من خلال تضحياته وحرصه ومآزرته للنبي الاكرم محمد "صلى الله عليه وآله" في الحروب وغير ذلك من المواقف التي شهد لها ارباب التاريخ...
أكد ارباب مصادر التاريخ والسير والرجال ايمان امير المؤمن علي بن ابي طالب "عليه السلام"، بالرسالة الاسلامية منذ نزول الوحي على النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله" وانتصر للرسالة من بين عشيرته، اذ روي عن الحكم بن عينة قائلا" خديجة أول من صدق، وعلي أول من صلى الى القبلة"([1])، فقد حمل الاسلام بين جنبيه فكراً وسلوكياً ويؤكد القرآن الكريم على اولوية امير المؤمنين "عليه السلام" منذ نزول قوله تعالى ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ ([2]).
فكان امير المؤمنين علي "عليه السلام" اكثر الناس حرصاً على نشر الرسالة الاسلامية، وقد ظهر ذلك من خلال تضحياته وحرصه ومآزرته للنبي الاكرم محمد "صلى الله عليه وآله" في الحروب وغير ذلك من المواقف التي شهد لها ارباب التاريخ([3]).
وعليه ان مبيت أمير المؤمنين علي "عليه السلام" في فراش النبيّ محمد "صلى الله عليه وآله" لم يكن أمراً يسيراً من الممكن أن يؤدّيه أيّ انسان اعتيادي، بل كان أمراً يتطلب شجاعة كبيرة ، ولاسيما حين يعلم أنّه سيُقْتَل لا محالة، ذلك لأنّ مشركين قريش اتخذوا قراراً لقمع الدين وانهاء وجود النبيّ الاكرم في تلك الليلة([4]) غير أنّ النبيّ الاكرم استطاع الخروج في ذلك الليل من دون أنْ يراه أحد وهو يقرأ قوله تعالى ﴿ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾([5])، وبمساعدة امير المؤمنين الذي بات ليلتها في فراشه، تصديقا لقوله تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾([6]) فعندما حاصر المشركون بيت النبي الاكرم من اول الليل، ليهجموا عليه في منتصف الليل لقتله تبيّن لهم غير الذي اعتقدوه، إذ وجدوا علي ابن ابي طالب في الفراش([7]).
اضف الى ذلك ان مبيت امير المؤمنين على فراش النبي الاكرم لم يكن في ليلة الهجرة فقط ، بل تؤكد اغلب المصادر التاريخية كان أبو طالب "عليه السلام" ينيم النبي الاكرم "صلى الله عليه وآله"، في موضعه المخصص له ثم إنه حين تهدأ الرِّجل، ويأمن العيون يقيمه، وينيم الإمام علياً "عليه السلام" مكانه([8])، حتى إذا ما حصل أمر من قبل المشركين، يستهدف حياة النبي الاكرم "صلى الله عليه وآله"، فإنه يقع في أمير المؤمنين "عليه السلام"، وينجو النبي الاعظم من كيدهم.
وقد أثّرت هذه الفضيلة في نفوس المسلمين منذ ذلك الوقت والى يومنا هذا، لذا أنْ نجد ان اغلب الشعراء يكثرون الحديث عنها، وعن شجاعة الإمام علي u ودوره في إنقاذ النبيّ الاكرم "صلى الله عليه وآله "، وكان من ابرز هؤلاء الشعراء السيد الحميري ، إذ قال في شجاعة مَن بات في الفراش:
وسرى بمكة حين بات مبيته |
ومضى بروعة خائف مترقبِ |
|
خير البرية هارباً من شرِّها |
بالليل مكتتماً ولم يستصحبِ |
|
باتوا وباتَ على الفراشِ ملفَّعاً |
فيرون أنّ محمّداً لم يَذهَبِ |
|
حتّى إذا طلع الشميط كأنّه |
في اللّيل صفحة خدِّ أدهم مغربِ |
|
ثاروا لأخذِ أخي الفراش فصادفتْ |
غير الذي طلبت أكفُّ الخيَّبِ |
|
فوقاهُ بادرةَ الحتوفِ بنفسِه |
حذراً عليه من العدوِّ المجلبِ |
|
حتّى تغيَّبَ عنهم في مدخل |
صلى الإله عليه من متغيّبِ |
|
وجزاهُ خير جزاء مرسل أمة |
أدّى رسالته ولم يَتَهَيَّبِ |
|
فتراجعوا لما رأوه وعاينوا |
أسدَ الإله مجالداً في منهبِ([9]) |
كما رسم الشاعر العربي المعروف بــ" ديك الجن" في قصيدته الشجاعة التي تحلّى بها أمير المؤمنين "عليه السلام" في مآزرته للنبي مفتدياً إيّاه بنفسه والمبيت في فراش النبيّ الاكرم عوضاً عنه فقال:
دَعُوا ابْنَ أبي طالبٍ للهدى |
ونَحْرِ العِدى كيفما يَفعَلُ |
|
وإلاّ فكُونُوا كما كانَ |
هدى ولنارِ الوَغَى فاصْطَلُوا |
|
ومَن كعَلِيٍّ فدى المُصطفى |
بنَفْسٍ ونامَ فما يَحْفِلُ |
|
عَشِيَّةَ جاءَتْ قُرَيْشٌ لهُ |
وقد هاجَرَ المُصطفى المُرْسَلُ |
|
وطافُوا على فُرْشِهِ يَنْظُرونَ |
مَنْ يَتَقَدَّمُ إذْ يُقْتَلُ |
|
فلمّا بدا الصُّبْحُ قامَ الوَصِيُّ |
فأقْبَلَ كُلٌّ لهُ يَعْذُلُ([10]) |
وسعى الشاعر عبد المحسن الصُّوري، ابراز دور الامام علي ابن ابي طالب ليلة هجرة النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله" ومستفهماً من أعداء أمير المؤمنين"عليه السلام" حين جاءوا لقتل النبي الاكرم ، يبدو ان الشاعر اراد من ذلك السؤال إبراز شجاعة أمير المؤمنين "عليه السلام" والذي اقدم على فداء النبيّ "صلى الله عليه وآله " في ذلك اليوم، اذ يقول:
وأيُّكم نامَ في فَرشِهِ |
وأنتمُ لِمُهجَتِهِ طالِبُونا([11]) |
جعفر رمضان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1] ) اشنتجون أرفنج، حياة محمد، ترجمة: علي ححسيني الخربوطلي،( القاهرة: دار المعارف ، 1960)، ص62-63.
([2] ) سورة الشعراء: الآية214.
([3] ) للمزيد من التفاصيل على مواقف الامام علي ودوره في الاسلام ينظر:أمير علي، روح الاسلام، ترجمة عمر الديرواي ،( بيروت : مطبعة كرم، 1961)؛ جورج جرداق ، الامام علي صوت العدالة الانسانية،( بيروت ، مطبعة الجهاد)؛ محمد جواد الفقيه، المقداد ابن الاسود الكندي، اول فارس في الاسلام، ج1، ص41.
([4] ) محمد حسين الطهراني، معرفة الامام علي "عليه السلام"، مج1،
([5] ) سورة يس: الآية 9.
([6]) سوره البقرة: الآية 207.
[7]) ) ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الامالي، تحقيق علي اكبر الغفاري،( طهران: دار الكتب الاسلامية ، 1381)، ج1 ، ص447
([8] ) السيد جعفر مرتضى العاملي، مختصر مفيد، "المجموعة الرابعة"،( المركز الإسلامي للدراسات ، 2002)،ص9-11.
([9]) ديوان السيد الحميري/93-97، الشميط: الصبح، لاختلاط بياضه بباقي ظلمة الليل، منهب: يمكن أن يكون من النهب وهو ضرب من الركض، أي تراجعوا راكضين.
([10]) ديوان ديك الجن الحمصي، شرح :عبد المعين الملوحي ومحيي الدين الدرويش،( مطابع الفجر، 1960)، ص 52-53.
([11])عبد المحسن بن محمد الصوري، ديوان الصُّوري، تحقيق: مكي السيد جاسم و شاكر هادي شكر،( بغداد: وزارة الثقافة والاعلام، 1981)، ج2، ص67-68.
المصدر: العتبه الحسینیه