القرآن ومصاديق النظرية

flower 12
 
 

الطائفة الثالثة من الآيات التي صنّفناها في أهل البيت: هي الطائفة من الآيات التي جرى تطبيقها على أهل البيت((عليهم السلام)) عموماً أو على (عليّ(عليه السلام)) بالخصوص بمعنى أنَّه جرى تأويلها فيهم وأنَّهم أظهر المصاديق أو المصداق الخاص في هذه الأُمة لها ، والأمثلة على ذلك عديدة نذكر بعضها : 
المثال الأول : ما ورد في قوله تعالى : 
( . . . فَسْـَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ )([82]) 
حيث ورد تفسيرها في أهل البيت(عليهم السلام) ، كما رواه الطبري في تفسيره ، عن جابر الجعفي ، «قال : لما نزلت فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، قال عليّ(عليه السلام) : نحن أهل الذكر»([83]) . 
وبهذا تدل الآية على بعد الشهادة والهداية والاصطفاء . 
المثال الثاني : 
( إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـلِحَاتِ أُوْلَـئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيِّةِ )([84]) 
حيث ورد في تفسير هذه الآية أنَّ خير البرية هو علي(عليه السلام) وشيعته . 
فقد روى ابن جرير الطبري عن أبي الجارودي عن محمد بن علي (الباقر) ( أُوْلَـِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيِّةِ ) فقال النبي((صلى الله عليه وآله)) انت يا علي وشيعتك([85]) . 
كما روى السيوطي عن ابن عساكر عن جابر بن عبدالله قال : كنا عند النبي((صلى الله عليه وآله)) فاقبل علي بن أبي طالب ((عليه السلام)) ، فقال النبي((صلى الله عليه وآله)) : قد أتاكم أخي ، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال : والذي نفسي بيده ان هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، ثم قال : إنَّه أولكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد الله ، وأقومكم بأمر الله وأعدلكم في الرعية وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند الله مزية . قال : ونزلت «ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية» ، قال : فكان اصحاب النبي((صلى الله عليه وآله)) إذا أقبل علي((عليه السلام)) قالوا : جاء (خير البرية)([86]) . 
ورواه عن أبي سعيد مرفوعا عن ابن عباس ، وابن حجر في الصواعق المحرقة عن الزرندي عن ابن عباس ، وذكره الشبلنجي في نور الأبصار([87]) . 
وبذلك تدل هذه الآية على بُعد (الهدف) من وجود الإنسان . 
المثال الثالث : ( يَأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ادْخُلُواْ فِى السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَ تِ الشَّيَطـنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ )([88]) ، حيث ورد في تفسير ذلك أنَّ المراد من (السلم) هو ولاية أهل البيت(عليهم السلام) ، أو ولاية علي(عليه السلام) ، فقد روى الشيخ الكليني عن أبي جعفر : «في قول اللهU : ( يَأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ادْخُلُواْ فِى السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَ تِ الشَّيَطـنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ )قال : في ولايتنا»([89]) ، وتفسيره هو ما ورد في الحديث القدسي الذي رواه جماعة عن أهل البيت(عليهم السلام)من قوله تعالى : «ولاية عليّ بن أبي طالب حصني ، فمن دخل حصني أمن من ناري»([90]) . 
المثال الرابع : 
( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِى الاَْمْرِ مِنْكُمْ . . . )([91]) 
حيث ورد تطبيق هذه الآية الشريفة على أهل البيت(عليهم السلام) ، عن بريد بن معاوية العجلي قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن قول الله : 
«( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الاَْمَـنَـتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ . . . )([92]) 
قال : إيّانا عنى ، أن يؤدّي الأول إلى الإمام الّذي بعده الكتب والعلم والسلاح 
( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ) 
الّذي في أيدكم ، ثمَّ قال للناس : 
( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِى الاَْمْرِ مِنْكُمْ ) 
إيّانا عنى خاصّة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا . . . »([93]) . 
وبذلك تدل هاتين الآيتين على بُعد الولاية . 
المثال الخامس : قوله تعالى : 
( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّـدِقِينَ )([94]) ، 
فقد روى الكليني عن بريد بن معاوية العجلّي قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن قول الله : 
«( اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّـدِقِينَ ) 
قال : إيانّا عنى»([95]) . 
وأخرج السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير هذه الآية عن ابن عباس في قوله : ( اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّـدِقِينَ ) 
(قال) مع علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، وكذلك أخرج ابن عساكر في تاريخه ، عن جابر عن أبي جعفر((عليه السلام)) في قوله (تعالى) : 
( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّـدِقِينَ ) ، 
قال : مع علي بن أبي طالب([96]) . 
وبهذا تدل الآية على بُعد الولاء والمودة . 
فقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ، وابن عساكر في تاريخه ، كلاهما عن ابن عباس ، قال : نزلت في علي((عليه السلام)) ثلاثمائة آية([97]) . 
وكذلك ذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة ، والشبلنجي في نور الأبصار ، وابن عساكر([98]) ، عن ابن عباس قال : ما نزل في شأن أحد من كتاب الله ما نزل في علي . 
ونكتفي بهذا المقدار من الأمثلة لهذه الطائفة ، حيث إنَّ مجال التأويل فيها واسع ، وقد وردت النصوص من كلا الطرفين ـ العامة والخاصة ـ في هذا التأويل لمئات من الآيات الكريمة ، كما أشرنا إلى ذلك في بداية الحديث([99]).

   

المصدر:  سایت السبطین

      

__________________________________________
([82]) النحل : 43 ، والأنبياء : 7 . 
([83]) فضائل الخمسة 1 : 329 ، عن الطبري 17 : 5 ، و14 : 75 ، وفي الرواية الثانية لا يوجد (قال : علي) . 
([84]) البينة : 7 . 
([85]) الطبري 30 : 171 . 
([86]) الدر المنثور 8 : 589 ، وما رواه ابن عساكر ، فإليك نصه : «عن جابر بن عبدالله قال : كنا عند النبي(ص) فاقبل علي بن أبي طالب (ع) ، فقال النبي(ص) : قد أتاكم أخي ، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال : والذي نفسي بيده ان هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، ثم قال : إنَّه أولكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد الله ، وأقومكم بأمر الله وأعدلكم في الرعية وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند الله مزية . قال : ونزلت ( إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـلِحَاتِ أُوْلَـئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيِّةِ ) ، قال : فكان أصحاب النبي(ص) إذا أقبل علي(ع) قالوا : جاء خير البرية» ، تاريخ ابن عساكر 2 : 442 ، برقم : 951 . 
([87]) فضائل الخمسة 1 : 324 ـ 325 ، والصواعق المحرقة 2 : 467 ـ 468، طبعة مؤسسة الرسالة ، ونور الأبصار : 89 ، كلاهما باختلاف يسير عما رواه السيوطي ، وتصبح هذه الآية الكريمة من الطائفة الثانية ، بناءاً على الرواية الثانية التي رواها السيوطي وغيره . 
([88]) البقرة : 208 . 
([89]) الكافي 1 : 417 ، حديث : 29 . 
([90]) أمالي الصدوق : 306 ، حديث : 350 ، وراجع البحار 39 : 246 ، حديث : 1 ، وفيه بدل كلمة ناري عذابي . 
([91]) النساء : 59 . 
([92]) النساء : 58 . 
([93]) الكافى 1 : 276 ، حديث : 1 ، وتؤيده الرواية : 2 ، 3 ، في الكتاب نفسه ، وكذلك كتاب تأويل الآيات الظاهرة : 140 ، الطبعة الثانية . 
([94]) التوبة : 119 . 
([95]) الكافي 1 : 208 ، حديث : 1 . 
([96]) الدر المنثور 4 : 316 ، وتاريخ ابن عساكر 2 : 421 ـ 422 ، حديث : 923 . 
([97]) تاريخ بغداد 6 : 221 ، برقم : 3275 ، وتاريخ ابن عساكر 2 : 431 ، حديث : 934 ، والصواعق 2 : 373 ، ومن أراد أن يرجع إلى الروايات التي وردت في شأن هذه الآيات الكريمة ، يمكن أن يرجع إلى كتابي (فضائل الخمسة في الصحاح الستة) ، حيث يذكر جملة من المصادر لما ورد في تفسير مجموعة من هذه الآيات الشريفة في فضل أهل البيت(عليهم السلام)وعلي(عليه السلام)من طرق الجمهور ، وكذلك كتاب (تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة) ، في ذكر الروايات التي وردت من طرق أهل البيت(عليهم السلام)وغيرهم في تفسير الآيات التي وردت بشأنِّهم . 
([98]) الصواعق2 : 373 ، نور الأبصار : 90 ، تاريخ ابن عساكر 2 : 430 ، حديث : 933 . 
([99]) المقال لآية الله الشهيد السعيد السيد محمد باقر الحكيم((قدس سره)) في مجلة الفكر الإسلامي العدد 30 بتصّرف يسير (المجمع العالمي لأهل البيت(ع) .

logo test

اتصل بنا