القرآن الكريم ومستقبل الإنسانية

flower 12
 
 

قال الله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون). 
فالهدى ودين الحق هي الرسالة التي حملها خاتم المرسلين الى البشرية جمعاء من ربّهم وخالقهم وهاديهم الى الحق ليتديّنوا به ويستوعب كل مراحل حياتهم وكل أبعاد وجودهم فيظهر على الدين كله ويستولي على الباطل الذي لا يقوى أمام حجج الحق واصوله وثماره اليانعة، إذ ستظهر هشاشته وبطلانه أمام تجذر الحق واستحكام أغصانه وقوّة صموده وعدم ذوبانه. 
(وقل جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً) 
فالباطل يريد الهيمنة على كل مجالات الحق ويهوى أن يتحكم في كل شيء فيسعى لاطفاء نور الحق، غير انه سعي لا جدوى به، لأنه مهما حاول اطفاء نور الحق الذي لا يخبو فانه لا يعدو أن يكون نفثاً بالأفواه امام نور الحق الساطع وهو نور الله الذي هو مصدر كل نور وإليه ينتهي نور كل نور. 
ومن هنا جاء الذكر الحكيم مصرحاً بهذا المبدأ ومعلناً بسعي أهل الباطل لاطفاء نور الحق على مدى الاجيال، غير أنه سعي بلا جدوى وجولة لا تستقر، قال تعالى: 
(يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون). 
وتتجلى خطوات أهل الباطل في انقلاب الصحابة الذين عاشوا خير القرون، وهو قرن حضور الرسول المطصفى(ص) وقرن سطوع نور الرسالة سطواً كاملاً يجسّده الرسول في سلوكه. وتعيشه الأمة بكل وجودها وكامل عواطفها وأحاسيسها. 
وهنا نفهم مغزى الآية المحذرة من هذا الخطر الداهم والمستنكرة لهذا الارتداد المتوقع بقوله تعالى: 
(وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإنْ مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين). 
وتأتي الآية المنذرة بالتمحيص والمحذ ّرة من السقوط في الافتتان والفشل في مهب ريح الفتنة لتقول لصحابة الرسول الأعظم(ص) ومن يحيط به أو يلحقه من التابعين: 
(واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة). 
إن شظايا هذه الفتنة سوف تلتهم الظالمين ومن يعايشهم ومن يعاصرهم أو يكتوي بنار ظلمهم وسوف تتبلور الطاقات والجهود التي اكتوت بنيران الظلم فيستبدل الله الظالمين بالصالحين. 
كما قال لهم بكل صراحة: 
(ان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم). 
إنها سنّة الله التي يخرج من خلالها الصالحون ليرثوا الأرض وما يمكن وراثته من الظالمين. 
وقال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأض يرثها عبادي الصالحون). 
(إنّ في هذا لبلاغاً لقوم عابدين). 
وحين تتحقق مصاديق هذه السنن فإنّ احكامها ونتائجها لا تتخلف ويكون وعدالله حقاً: 
فقد قال: (وعدالله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض وليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً). 
وهكذا تصبح الأمة المسلمة هي الاُمة الوارثة للأرض، والصالحون من أبناء هذه الاُمة هم الذين تكلـل جهودهم بالنصر المؤزّر وبذلك يمكـّن الله لهم دينهم الذي ارتضى لهم، ويبدلهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونه لا يشركون به شيئاً. 
وهذه هي الرؤية الواضحة الناصعه والمتفاءلة بالصلاح الذي يغمر أرجاء المعمورة بعد سقوط الباطل واضمحلاله وضموره أما م سطوع نور الحق وسلطانه. 
ومن هنا يتضح أنّ الرسول(ص) قد حذ ّر عمّا حذ ّر منه القرآن من انحسار العدل واستطالة الباطل والظلم حتى تمتلئ الأرض جوراً ، وبشّر بما بشّر به القرآن من استعادة أهل الحق حقوقهم وسيطرة الدين الحق بامامة عدل من عدول أهل بيت الرسالة يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويحقق آمال الأنبياء وأهدافهم ويجسّد مثلهم وقيمهم أحسن تجسيد وأشمله. 
الرسول الخاتم(صلى الله عليه وآله) يخبر بنقض عرى الاسلام من بعده 
1 ـ عن أبي زيد، قال: صلّى بنا رسول الله الفجر فصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلّى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلّى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلـُمنا أحفظـُـنا»([1]). 
2 ـ عن حذيفة: قلت يا رسول الله إنّا كنّا في جاهلية وشرٍّ، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال: نعم. قال حذيفة: ماهو؟ قال النبي(صلى الله عليه وآله): فتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضاً تأتيكم مشتبهة([2]). 
قال حذيفة: والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة الى أن تنقضي الدنيا بلغ من معه ثلاثمائة إلا قد سمّاه باسمه واسم أبيه واسم قبيلته([3]). 
3 ـ وقال اُسامة: أشرف النبي(صلى الله عليه وآله) على أطم من آطام المدينة. ثم قال: «هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقطع القطر»([4]). 
4 ـ وأعلن الرسول(صلى الله عليه وآله) أمام أصحابه قائلاً: ليُنقض الإسلام عروة عروة فكلّما انقضت عروة تشبثت الناس بالتي تليها، فأوّلهنّ نقضاً الحكم وآخرهنّ الصلاة»([5]). 
5 ـ وقال حذيفة: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّ في أصحابي اثني عشر منافقاً، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط»([6]). 
6 ـ وأعلن(صلى الله عليه وآله) أمام أصحابه قائلاً: «إنّ هلاك اُمتي على يد غلمة من قريش». 
وقال أيضاً: يهلك اُمتي هذا الحي من قريش([7]). 
7 ـ وعن ابن عبّاس أنه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ولتحملنـّـكم قريش على سنّة فارس والروم ولتؤمننّ عليكم اليهود والنصارى»([8]). 
8 ـ وقال(صلى الله عليه وآله) مرة اُخرى: إن هذا الحي من مضر لا تدع لله في الأرض عبداً صالحاً إلاّ فتنته وأهلكته»([9]).) 
9 ـ وقال(صلى الله عليه وآله) لأصحابه: «لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء»([0]). 
10 ـ وقال(صلى الله عليه وآله): «ليردّن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يُحال بيني وبينهم»([1]). 
«فأقول: يا رب أصحابي! فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك!»([2]). 
11 ـ وفي رواية أبي هريرة: «فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدّوا على أدبارهم القهقهرى»([3]). 
12 ـ وفي رواية ابن عباس: «فيقال: إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم»([4]). 
13 ـ وفي رواية اُخرى: «ونادى مناد فقال: هلمّ، قلت: أين؟ قال: الى النار والله! قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقهرى فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم»([5]). 
   

التحذيرات النبوية 
1 ـ وقال(صلى الله عليه وآله): «اكثر ما أتخوّف على اُمتي من بعدي رجل يتأوّ ل القرآن يضعه على غير مواضعه، ورجل يرى أنه أحقّ بهذا الأمر من غيره»([6]). 
2 ـ وذكـّر أصحابه بتجربة بني إسرائيل قائلاً: «لم يزل أمر بني اسرائيل معتدلاً حتى نشأ فيهم المولـّدون وأبناء سبايا الاُمم... فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلّوا»([7]). 
3 ـ وقال(صلى الله عليه وآله): «سيلي أمركم بعدي رجال يطفئون ويحدثون البدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها» فسأله ابن مسعود: كيف بي إذا أدركتهم؟ أجابه(صلى الله عليه وآله): يابن اُم عبد: لا طاعة لمن عصى الله» قالها ثلاث مرات([8]). 

   

المصدر:  سایت منتدی الوارث

      

________________________________________
([1]) صحيح مسلم: كتاب الفن، وانظر الفتح الرباني: 1/247. 
([2]) انظر صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق، باب علامات النبوة ورواه أحمد. وانظر الفتح الرباني: 23/38 . 
([3]) رواه داود فى عون المعبود الحديث 4243 و 4222. 
([4]) صحيح البخاري، كتاب الحج: 1/322 و رواه مسلم: 7/8. 
([5]) رواه أحمد والحاكم وابن حبّان، انظر كنز العمال: 1/238. 
([6]) انظر كنز العمال: 1/169، ومعالم الفتن: 1/67. 
([7]) انظر صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق باب علامات النبوّة: 2/280 وصحيح مسلم كتاب الفتن. 
([8]) انظر مجمع الزوائد: 7/236.

logo test

اتصل بنا