الإمام السجّاد (عليه السلام) مع عبد الملك بن مروان

flower 12

    

تولّى عبد الملك الخلافة بعد هلاك أبيه سنة 65هـ ، وخلال هذه المدّة برز الحجاج بن يوسف الثقفي كوالٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ لبني مروان وكان من أشدّهم على شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) . وكان عبد الملك يحذر أن يصل بطش الحجاج إلى زين العابدين (عليه السلام) فكتب إلى الحجاج: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف. أمّا بعد فجنّبني دماء بني عبد المطلب فإنّي رأيت آل ابي سفيان لمّا ولغوا فيها لم يلبثوا بعدها إلا قليلاً والسلام. وكتب الكتاب سرّاً لم يعلم به أحد، وبعث به مع البريد إلى الحجّاج، وورد خبر ذلك من ساعته على علي بن الحسين (عليه السلام)، واخبر أن عبد الملك قد زيد في ملكه برهة من دهره لكفّه عن بني هاشم، وأمر ان يكتب ذلك إلى عبد الملك ويخبره أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)  أتاه في منامه وأخبره بذلك. فكتب علي بن الحسين (عليه السلام) بذلك إلى عبد الملك بن مروان[1]  .

وفي أوّل لقاء بين الإمام السجاد (عليه السلام) والطاغية عبد الملك بن مروان في مكة عند أداء مناسك الحج حيث أجرى الله سبحانه المعجزة الباهرة على يد الإمام السجّاد (عليه السلام) أمام عبد الملك إقامة للحجّة عليه ولردعه عن باطله وطغيانه، وإليك نصّ الحوار بينهما: قال الإمام الباقر (عليه السلام): «كان عبد الملك يطوف بالبيت وعلي بن الحسين يطوف بين يديه ولا يلتفت إليه، ولم يكن عبد الملك يعرفه بوجهه فقال: من هذا الذي يطوف بين أيدينا ولا يلتفت إلينا؟ فقيل : هذا علي بن الحسين. فجلس مكانه وقال: ردّوه إليّ ، فردّوه فقال له: يا علي بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك، فما يمنعك من المصير إليّ؟ فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): «إنّ قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه، وأفسد أبي عليه بذلك آخرته، فان أحببت أن تكون كهو فكن». فقال: كلا ولكن صر إلينا لتنال من دنيانا. فجلس زين العابدين وبسط رداءه وقال: «اللهم أره حرمة أوليائك عندك» فإذا إزاره مملوّة درراً يكاد شعاعها يخطف الأبصار. فقال له: من يكون هذا حرمته عند ربّه يحتاج إلى دنياك؟ ثم قال: «اللهم خذها فلا حاجة لي فيها»[2]   .

وكان عبد الملك في الوقت ذاته يتصيّد الفرص للنيل من الإمام (عليه السلام) والحطّ من سمعته، فقد كتب إليه عندما سمع أنّه زوّج مربّيته لأحد مواليه: يا علي بن الحسين كأنك لا تعرف موضعك من قومك، وقدرك عند الناس، تزوّجت مولاة وزوّجت مولاك باُمّك. فكتب إليه (عليه السلام): «فهمتُ كتابك، ولنا اُسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقد زوّج زينب بنت عمّته زيداً مولاه، وتزوّج مولاته صفية بنت حيي بن أخطب»[3]   .

وأخيراً نفد صبر عبد الملك من وجود الإمام (عليه السلام) بعد أن رصد صفوة أصحابه وعرّضهم على الموت والتعذيب كيحيى بن اُم الطويل وأبي خالد الكابلي.

فقد روى ابن شهاب الزهري قال: شهدتُ علي بن الحسين (عليه السلام) يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام ، فأثقله حديداً ووكّل به حفّاظاً في عدّة وجمعٍ، فاستأذنهم في التسليم والتوديع له، فأذنوا فدخلت عليه والأقياد في رجليه والغلّ في يديه، فبكيت وقلت: وددتُ أني مكانك وأنت سالم. فقال: «يازهري أو تظنّ هذا بما ترى عليّ وفي عنقي يُكربني؟ أمّا لو شئت ما كان فإنه وإن بلغ بك ومن أمثالك ليذكّرني عذاب الله».

ثم أخرج يديه من الغلّ ورجليه من القيد ثم قال: «يازهري لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة». قال: فما لبثنا إلاّ أربع ليال حتى قدم الموكّلون يطلبونه بالمدينة فما وجدوه ، فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنا نراه متبوعاً، إنّه لنازل ، ونحن حوله لا ننام نرصده إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلاّ حديدة، فقدمت بعد ذلك على عبد الملك فسالني عن علي بن الحسين فأخبرته، فقال: إنه قد جاءني في يوم فقد الأعوان فدخل عليّ فقال: «ما أنا وأنت؟» فقلت: أقم عندي. فقال: «لا اُحبّ» ثم خرج، فوالله لقد أمتلأ ثوبي منه خيفة[4]   .

ومن المواقف المشهودة للإمام السجّاد (عليه السلام) في عصر عبد الملك بن مروان هو مسألة اعادة بناء الكعبة بعد أن هدمها الحجّاج بالمنجنيق، ثم حاول بناءها فما استطاع لخروج أفعى عليهم تمنعهم من الاقتراب إلى الكعبة، وبعد أن أعيت الحجّاج الحيل صعد المنبر وناشد الناس قائلاً : رحم الله عبداً عنده ممّا ابتلينا به علم لمّا أخبرنا به. فقام إليه شيخ فقال: إن يكن عند أحد علم فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة فأخذ مقدارها ثم مضى. فقال الحجاج: من هو؟ فقال الشيخ: علي بن الحسين. فقال: معدن ذلك. فبعث إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فأتاه فأخبره بما كان من منع الله إيّاه البناء ، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): «ياحجاج عمدت إلى بناء إبراهيم واسماعيل فألقيته في الطريق وانتهبته كأنّك ترى أنّه تراث لك. اصعد المنبر وأنشد الناس أن لا يبقى أحد منهم أخذ منه شيئاً إلاّ ردّه». فقال: ففعل وأنشد الناس أن لا يبقى منهم أحد عنده شيء إلاّ ردّه. قال: فردّوه.

 

فلمّا رأى جمع التراب أتى علي بن الحسين صلوات الله عليه فوضع الأساس وأمرهم أن يحفروا. فتغيبّت الحيّة، فحفروا حتى انتهوا إلى موضع القواعد، قال لهم علي بن الحسين (عليه السلام): تنحّوا، فتنحّوا فدنا منها فغطّاها بثوبه ثم بكى ثم غطّاها بالتراب بيد نفسه، ثم دعا البنّائين فقال: ضعوا بنائكم. فوضعوا البناء ، فلما ارتفعت حيطانها امر بالتراب فالقي في جوفه، فلذلك صار البيت مرتفعاً يصعد إليه بالدرج   [5].

 

  المصدر:سایت السبطین

 --------------------------------------------------------------------------------

[1] بحار الأنوار 46: 119| 9.

[2] بحار الأنوار 46: 120|11.

[3] بحار الأنوار 46: 139|30.

[4] بحار الأنوار 46: 123|15.

[5] بحار الأنوار 46: 115|1.

logo test

اتصل بنا