السؤال :
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( ضربة علي (عليه الصلاة والسلام) ، ( يوم الخندق ) ، تعادل عبادة الثقلين )) . نرجو إلقاء بعض الأَضواء على هذه الكلمة بشيء من التفصيل ، ولكم الشكر .
الجواب :
ضربة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام ، التي قال عنها رسول الله ، صلّى الله عليه وآله ، باتفاق من الشيعة والسنة ، تعادل عبادة الثقلين من جهتين : ( الصورية ، والمعنوية ) .
أما في الصورة : فالظاهر لولا ضربته التي أَردى بها فارس ( يليل ) ، وقائد قريش ، عَمرو بن عبد ود ، تلك الضربة القاضية على الشرك والمشركين ، لقضى أبو سفيان ،وأَحزابه ، على الإِسلام والمسلمين ، كما كان ذلك هدفهم بتلك الجنود المجندة ، والجيش العربي الهائل ، واتفاق اليهود معهم ، ومساعدتهم من ناحية أُخرى . فبتلك الضربة الإِلهية ، وقع الزلزال في أَركان جيوشهم ، والخوف في قلوب شجعانهم ، فانهزموا وانقلبوا صاغرين . وعند ذلك صاح النبي الهاشمي ، صلّى الله عليه وآله : (( الآن نغزوهم ، ولا يغزوننا )) وقال حذيفة اليماني : (( لو قسمت فضيلة علي ، عليه السلام ، بقتل عمرو ، يوم الخندق ، بين المسلمين لو سعتهم )) . فلولا تلك الضربة العلوية ، لساد الكفر والشرك إلى يوم الوقت المعلوم ، ولما بقي من الإِسلام أثر . فبقاء الإِسلام من أثرها ، وأعمال المسلمين جميعاً من بركاتها، فهي إذا تعادل أَعمالهم كافة .
وأما في المعنى : لا شك أَنَّ قيمة عمل كل مسلم ومسلمة ، وكل مؤمن ومؤمنة ، مرتبط بإيمانه ، وكلما ازداد الإِيمان في القلب ، ازدادت قيمة العمل وثوابه عند الله ، وكلما ضعف الإِيمان ، أنحط العمل ، وأنحط ثمنه ، وقل ثوابه ، وقد أثبت التاريخ إيمان مولانا أمير المؤمنين ، علي بن أبي طالب ، بأعماله الجبارة ، وثباته في الحروب ، وتضحيته نفسه في سبيل الله واستقامته عند تزلزل سائر المسلمين وفرار البعض في الحروب ، عند الشدة . والشاهد على هذا غزوة ( أٌحد ) ، ( حنين ) ، وفرارهم من الموت ، وضعفهم عن الجهاد حتى تركوا نبيهم وحيداً ، أمام المشركين الزاحفين ، وليس إلاَّ لضعف إيمانهم ،وهم يسمعون الآيات القرآنية ، أن الشهيد منهم ذاهب إلى جنة ، عرضها السموات والأرض ، لو كان إيمانهم قوياً ، لاختاروا الموت والشهادة ، في سبيل الله ، ولثبتوا في حفظ رسول الله ، ولما فروا من الزحف .
وعلى عليه الصلاة والسلام متشحط بدمائه، في غزوة ( أحد ) ، وفي جسده الطاهر تسعون ضربة سيف ورمح ، ومع ذلك يستقبل كتائب الشرك ، ويدافع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى هزمهم وحده بإذن الله ، ولثبتوا في حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولما فروا من الزحف .
وعلي عليه الصلاة والسلام متشحط في وقعة حنين : : ((ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم))[1] ، عند حملة بني هوازن ، وهو الذي ثبت واستقام ، وقتل قائدهم وهزمهم ، وأسرهم بعدما فرّ المسلمون إلى جهة البحر ، فراراً من الموت .
وعلي هو الضارب ، والمجاهد الوحيد ، وبات من قبل ، على فراش ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يفديه بنفسه ، حتى باهى الجليل ، جلّت عظمته ، به ملائكته .
وفي يوم ( الخندق ) كما يقول لنا التاريخ ، أن عمرو قد عبر الخندق , وأخذ يصيح ويخاطب المسلمين :
ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز
ويستهزئ بهم ، ويقول : من منكم يحب أَن يدخل الجنّة ! ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم إلى مبارزته ، ثلاث مرّات ، ولا مجاوب إلاَّ ابن عمه ،ووزيره ، علي بن أبي طالب ، في كل من الثلاثة ، وأسرع إلى قتاله ، واستقبله قائلاً :
يا عمرو ويحك ! قد أَتا ك مجيب صوتك غير عاجز
إلى آخر رجزه عليه الصلاة والسلام حتى كان ما كان ، وصار ما صار ، وقتل علي عمرواً ، وفّرج الله عن المسلمين ، وهزم المشركين به .
وليس إلاَّ أَنَّ علياً إيمان كله ،كما قال عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( برز الإسلام كله للكفر كله )) . وعلي من رأسه إلى قدمه إيمان .
والقوم قد ولوا الأدبار ، وفقدوا إيمانهم عند الفرار : (( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ، ومن يولهم يومئذ دبره ، إلاَّ متحرفاً لقتال ، أو متحيزاً إلى فئة ، فقد باء بغضب من الله ، ومأواه جهنم وبئس المصير ))[2].
أما في سائر الأوقات ، فأعمالهم بإيمان ضعيف ، وبعضهم بشك وريب ، ولسنا في صددهم ، وصدد مقدار إيمانهم ، فضربة علي ، عليه السلام ، لله ، وفي سبيل الله ، وبذلك الإيمان الكامل ، عادل أعمال الثقلين ، ولا عجب ! .
الكاتب : الميرزا حسن الحائري
المصدر : كتاب الدين بين السائل والمجيب
______________
[1] سورة التوبة : الآية 25
[2] سورة الأنفال : الآيتان 15 – 16