لهذا الحديث الشريف أسانيد وطرق مختلفة, نذكر لك ما تيسر منها بهذه العجالة من الوقت, ثم نحيلك بعدها إلى كتاب كان قد جمع طرقه:
أولاً: روى الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد 7/433) بسند حسن: عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (علي خير البشر فمن امترى فقد كفر).
إلاّ أن الخطيب قال بعده: ((هذا حديث منكر لا أعلم رواه سوى العلوي - يعني الحسن بن محمد بن يحيى صاحب كتاب النسب - بهذا الاسناد وليس بثابت)) انتهى.
ونقول الخطيب : قول ((حديث منكر, وليس بثابت)) مردود عليه إذ ليس المراد من الحديث بأن عليّاً خير البشر حتى النبي (صلى الله عليه وآله)، بل المراد: أنّه خيرهم بعده وفي أمّته, ومثل ذلك كيف يكون منكراً أو أنه غير ثابت! وهل ينكر الخطيب مساواة المولى سبحانه لأمير المؤمنين (عليه السلام) للنفس القدسية للنبي (صلى الله عليه وآله) بنص آية المباهلة , أو ينكر الأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) بحق علي (عليه السلام), بأنه كنفسه (صلى الله عليه وآله)! (انظر المستدرك على الصحيحين: ج 2 ص 131) , أو ينكر ما نزل في علي (عليه السلام) من القرآن، وقد رووا بطرقهم عن ابن عباس قال: ((نزلت في علي (عليه السلام) ثلاثمائة آية)), أو ينكر الأحاديث المتواترة في فضله وشأنه (عليه السلام) الواردة بطرق الفريقين والتي يستفاد منها فضله على جميع أمته (صلى الله عليه وآله) مثل أحاديث (الغدير, والمنزلة, والثقلين والطير, وإرسال سورة البراءة معه) وغيرها مما ملئت بها كتب الفريقين.
وأمّا قول الخطيب: ((لا أعلم رواه سوى العلوي بهذا الاسناد)) فعجيب!! إذ كيف نسي أنّه بنفسه رواه مكرراً بغير هذا الاسناد, وروى بإسناد غير مطعون في (ج 5 ص 157) عن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (خير رجالكم علي بن أبي طالب (ع) ) الحديث. وأيضاً بإسناد آخر (ج 3 ص 409) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من لم يقل علي خير الناس فقد كفر). ورجال هذا الإسناد كلهم ثقات وعدول, سوى محمد بن كثير الكوفي قد تكلم فيه إلاّ أنّ ابن معين - وهو إمام الجرح والتعديل - وثّقه وقال: ليس به بأس.(تاريخ ابن معين 1/346).
ثانياً: روى ابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 372) عن طريق خيثمة بن سليمان بسند صحيح عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (علي خير البشر من أبى فقد كفر).
قال ابن عساكر : ((كذا قال الحسن بن سعيد (أحد رجال السند) وإنما هو الحر)) انتهى.
وقال ابن عدي في (الكامل ج 4 ص 10): وهذا قد رواه عن الحر غير واحد. وروى عنه أحمد بن يحيى الصوفي وقال: حدثنا الحر بن سعيد النخعي وكان من خيار الناس.
وروى عن شريك أيضاً عن الأعمش عن عطية قلنا لجابر: ما كنتم تعدّون عليّاً فيكم، قال: ذلك من خير البشر (انتهى).
ثالثاً: أخرج أحمد بن حنبل في (الفضائل ج 2 ص 564 ح 949) عن عطية بن سعد العوفي, قال: دخلنا على جابر بن عبد الله وقد سقط حاجباه على عينيه فسألناه عن علي (كرّم الله وجهه) فقلت: أخبرنا عنه, قال: فرفع حاجبيه بيديه فقال: ((ذلك من خير البشر)) انتهى.
ورجال هذا الحديث كلهم ثقات وعدول. وتكلم بعضهم في عطية العوفي وقال ابن سعد في (الطبقات 6: 304): وكان ثقة إن شاء الله وله أحاديث صالحة.
وروى أحمد بطريق آخر (ج 2 ص 671) عن أبي الزبير قال: قلت لجابر كيف كان علي فيكم قال: ((ذلك من خير البشر, ما كنا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم إيّاه)) انتهى.
وروى ابن حبان في (الثقات ج 9 ص 281) بسند صحيح عن سالم بن أبي الجعد قال: سئل جابر بن عبد الله عن علي فقال: ((ذاك خير البشر من شك فيه فقد كفر)).
رابعاً: روى ابن عساكر بسند صحيح في (ج 42 ص 374) من تاريخه عن الأعمش عن عطاء قال: سألت عائشة عن علي (رضي الله عنهما) فقالت: ((ذاك خير البشر لا يشك فيه إلاّ كافر)).
وهناك طريق آخر بهذا الأثر نقله بسند صحيح العلاّمة الحسين بن أحمد بن خالويه المصري في (اعراب ثلاثين سورة ص 148 ط القاهرة دار الكتب بمصر).
خامساً: روى أبو داود الرهاوي - كما في ميزان الاعتدال ج 2 ص 271 - أنّه سمع شريكاً يقول: ((علي خير البشر فمن أبى فقد كفر)).
وقد أزاد شريك أنّه خير البشر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله), كما هو مذهب الشيعة, ولذا وصفه الجوزجاني كما في الميزان أيضاً (ج 2 ص 270) بأنّه مائل, ولا ريب بكونه مائلاً عن طريق الجوزجاني - المعروف بالنصب والعداء لأهل البيت (عليهم السلام) (انظر تهذيب التهذيب 10 / 143) - إلى طريق أهل البيت (عليهم السلام).
وقد قال الذهبي في حق شريك: الحافظ الصدوق أحد الأئمة (ميزان الاعتدال 2 / 270 رقم 3697).
هذا غيض من فيض, أردنا أن نظهره على عجالة من أسانيد هذا الحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله), والأثر الذي جرى على ألسنة الصحابة, وقد روى العلاّمة المرعشي في (شرح إحقاق الحقّ) من طرق كثيرة - لا يبعد استفادة التواتر منها - هذا الحديث المبارك, فانظر (ج 4 ص 254) وما بعدها.
وقد ذكر العلاّمة أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل الري المشهور بابن الرازي الإيلافي المعاصر للشيخ الصدوق, ومن أعلام القرن الرابع الهجري, مصنف (جامع الأحاديث) و (العروس) و (الغايات) و (الأعمال المانعة من الجنّة), خمسة وسبعين طريقاً للحديث جمعها في كتاب أسماه (نوادر الأثر بعليّ خير البشر) , صدر في قم سنة 1420 هـ , بتحقيق السيد محمد جواد الحسيني الجلالي.
المصدر: مركز الابحاث العقائدية