قال الباقر (ع) في قول الله عزّ وجلّ { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } : إنّ رهطاً من اليهود أسلموا ، منهم عبد الله بن سلام وأسد وثعلبة وابن يامين وابن صوريا .. فأتوا النبي (ص) فقالوا : يا نبيّ الله !.. إنّ موسى أوصى إلى يوشع بن نون فمَن وصيك يا رسول الله ؟!.. ومَن وليُّنا بعدك ؟.. فنزلت هذه الآية :
{ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } .
ثم قال رسول الله (ص) : قوموا ، فقاموا فأتوا المسجد فإذا سائل خارج .. فقال : يا سائل !.. أما أعطاك أحدٌ شيئاً ؟.. قال : نعم ، هذا الخاتم ، قال : من أعطاكه ؟.. قال : أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلّي ، قال : على أي حال أعطاك ؟.. قال : كان راكعاً ، فكبّر النبي (ص) وكبّر أهل المسجد .
فقال النبي (ص) : عليّ بن أبي طالب وليّكم بعدي ، قالوا : رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ، وبعلي بن أبي طالب ولياً ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون } .
فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : والله لقد تصدّقتُ بأربعين خاتماً وأنا راكع لينزل فيّ ما نزل في علي بن أبي طالب فما نزل !.. ص183 المصدر: أمالي الصدوق ص75 بيــان: اعلم أنّ الاستدلال بالآية الكريمة على إمامته صلوات الله عليه يتوقف على بيان أمور :
الأول : أنّ الآية خاصةٌ وليست بعامّةٍ لجميع المؤمنين ، وبيانه أنه تعالى خصّ الحكم بالولاية بالمؤمنين المتّصفين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الركوع ، وظاهر أنّ تلك الأوصاف غير شاملة لجميع المؤمنين .
وليس لأحد أن يقول : إنّ المراد بقوله : {وهم راكعون } أنّ هذه شيمتهم وعادتهم ، ولا يكون حالاً عن إيتاء الزكاة وذلك لأنّ قوله { يقيمون الصلاة } قد دخل فيه الركوع ، فلو لم يحمل على الحالية لكان كالتكرار ، والتأويل المفيد أولى من البعيد الذي لا يفيد .
وأما حمل الركوع على غير الحقيقة الشرعية ، بحمله على الخضوع من غير داعٍ إليه سوى العصبية ، فلا يرضى به ذو فطنة رضية ، مع أنّ الآية على أي حال تنادي بسياقها على الاختصاص .
الثاني : أنّ المراد بالولي هنا الأولى بالتصرف والذي يلي تدبير الأمر ، كما يقال : فلان ولي المرأة وولي الطفل وولي الدم ، والسلطان ولي أمر الرعية ، ويقال لمن يقيمه بعده : هو ولي عهد المسلمين ، وقال الكميت يمدح علياً :
وقال المبرّد في كتاب العبارة عن صفات الله : أصل الولي الذي هو أولى أي أحقّ ، والولي وإن كان يستعمل في مكان آخر كالمحبّ والناصر ، لكن لا يكن إرادة غير الأولى بالتصرف والتدبير ههنا ، لأنّ لفظة " إنما " يفيد التخصيص .
ولا يرتاب فيه من تتبع اللغة ، وكلام الفصحاء ، وموارد الاستعمالات ، وتصريحات القوم ، والتخصيص ينافي حمله على المعاني الأُخر ، إذ سائر المعاني المحتملة في بادئ الرأي لا يختصّ شيءٌ منها ببعض المؤمنين دون بعض كما قال تعالى :
{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } .
الثالث : أنّ الآية نازلةٌ فيه (ع) وقد عرفت بما أوردنا من الأخبار تواترها من طريق المخالف والمؤالف ، مع أنّ ما تركناه مخافة الإطناب وحجم الكتاب أكثر مما أوردناه ، وعليه إجماع المفسرين وقد رواها الزمخشري والبيضاوي والرازي في تفاسيرهم مع شدة تعصبهم وكثرة اهتمامهم في إخفاء فضائله (ع) . ص 205
المصدر: كتاب تاريخ الأمام علي(ع)