حين تلقى الرسول (ص) بيان التكليف الإلهي بحمل الرسالة،عاد إلى بيته فأطلع عليا (1) (ع) على أمره،فاستقبله بالتصديق و اليقين،كذلك فعلت خديجة الكبرى،فانبثق من أجل ذلك أول نواة لمجتمع المتقين في الأرض.
على أنه يجدر بنا،أن نعي أن عليا (ع) لم يدعه الرسول (ص) إلى الاسلام كما دعا غيره فيما بعد أبدا،لأن عليا (ع) كان مسلما على فطرة الله تعالى،لم تصبه الجاهلية بأوضارها،و لم يتفاعل مع شيء من سفسافها و كل الذي كان:أن عليا (ع) قد أطلعه الرسول القائد (ص) على أمر دعوته و منهج رسالته،فأعلن تصديقه و أيقن بالرسالة الخاتمة،و بادر لتلقي توجيهاته المباركة تلقي تنفيذ و تجسيد،و لهذا يقال (كرم الله وجهه) .
فإن عليا (ع) كان مؤهلاـكما بينا في مطلع الحديثـلاتباع رسول الله (ص) في دعوته،لأنه (ص) كان قد أنشأ شخصيته،و أرسى لبناتها الأساسية.
و لا نضيف جديدا إذا قلنا إن الإمام (ع) لم يفاجأ بأمر الدعوة المباركة،طالما عاش في كنف رسول الله (ص) و تفيأ ظلاله،فالمصطفى محمد (ص) ـكما نعلمـكان يعبد ربه تعالى و ينأى عن الجاهلية في مفاهيمه و سوكه و علاقاته قبل أن يتنزل عليه وحي السماء،بأول سورة من القرآن الكريم.و علي (ع) كان مطلعا على عبادة أخيه رسول الله (ص) و ممارساته و تحولاته الروحية و الفكرية،فكان يتعبد معه،و ينهج نهجه،و يسلك سبيله في تلك السن المبكرة من عمره.
أما حين فاتحه رسول الله (ص) بأمر الدعوة الإلهية،فقد لبى النداء بروحه و وعيه و كل جوارحه،دون أن يباغت في الأمر،و إن كان هناك من جدة في المسألة،فإنما هي في الكيفية و درجة المسؤولية الواجب تحملها،أو في تفاصيل الأحكام.
و حين بلغ رسول الله (ص) بأمر التكليف الإلهي لحمل الدعوة المباركة،بلغ كذلك،أن تنصب دعوته أولا على الخاصة من أهل بيته،و قد أشار ابن هشام في سيرته لذلك بقوله:
«فجعل رسول الله (ص) يذكر ما أنعم الله به عليه،و على العباد به،من النبوة سرا من يطمئن إليه من أهله» (2) .
و من أجل ذلك فاتح عليا و خديجة بالدعوةـكما ذكرناـو بعدهما زيد بن حارثة،و بقي أمر الدعوة طي الكتمان لا يعلمه غير هؤلاء،و بعض الخاصة من أهل البيت (ع) .
و قد أشار الإمام علي بن الحسين (ع) في حديث له حول إسلام جده علي بن أبي طالب (ع) بقوله :
«و لقد آمن بالله تبارك و تعالى و برسوله (ص) و سبق الناس كلهم إلى الإيمان بالله و برسوله و إلى الصلاة ثلاث سنين» (3) .
و لأسبقيته في حمل الدعوة أشار الإمام (ع) في حديث جاء فيه:
«و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (ص) و خديجة،و أنا ثالثهما،أرى نور الوحي و الرسالة،و أشم ريح النبوة».
و بعد أن تخطت الدعوة مرحلة دعوة الخاصة من أهل البيت جاءت مرحلة دعوة من يتوسم رسول الله (ص) فيهم القبول لدعوته،فانخرط عدد من الناس في سلك الدعوة،كان أغلبهم من الشباب،و كانت لقاءاتهم من أجل قراءة القرآن الكريم،و التعرف إلى أحكام دين الله تعالى تتم بصورة سرية.
_________________________________________
1ـاضافة إلى كتب التاريخ التي تصرح بأن عليا أول الناس اسلاما،كالسيوطي الذي قال:«إنه أول من أسلم،و نقل بعضهم الاجماع عليه»ص 185 من تاريخ الخلفاء،فهنك عدة أحاديث عن رسول الله (ص) تجسد هذه الحقيقة،راجع المستدرك/ج 3/ص 136،التاريخ الكبير للخطيب البغدادي/ج 2/ص 81،و مناقب الخوارزمي،و حلية الأولياء/ج 1/ص 66،و السيرة الحلبية/ج 1/ص 268،و سيرة زيني دحلان في هامش الحلبية/ج 1/ص .173
2ـابن هشام/السيرة النبوية/ج 1/ص .259
3ـالكليني/الكافي/ج 8/ص 339،و هناك أحاديث بهذا الصدد يرويها كل من النسائي و ابن ماجة،و الحاكم في المستدرك/ج 3/ص 111،و محب الدين الطبري في ذخائر العقبى/ص 60،و الطبري في تاريخه،و الرياض النضرة/ج 2/ص 158،و كتاب صفين لنصر بن مزاحم/ص 100 و غيرها،راجع كتاب الغدير/ج 3/ص 221ـ240،على أن تلك الروايات تشير إلى أن إيمان علي و عبادته قد سبق فيها الناس بسبع أو تسع سنين،و هي لا تخالف القول بثلاث سنين أبدا،فان المراد بأنه سبق بالتصديق بالاسلام بعد الدعوة بثلاث سنين،و سبق سواه بالإيمان و التعبد مع الرسول (ص) في مرحلة الإعداد التي أشار إليها في خطبته القاصعة بسنوات اخرى.
سيرة رسول الله و أهل بيته(ع) ج 1 ص 486
مؤلف: لجنة التأليف مؤسسة البلاغ
المصدر: https://www.aqaed.com