لبنان والإمام المهدي

لم يعد للإنسانية ملاذ آمن أمام الظلم المتفشي في العالم، فانتشر الفساد من الشرق إلى الغرب بسبب أطماع وجشع البشر دون أي رحمة أو عدالة. لكن يبقى الأمل قائما عند الشعوب المستضعفة متطلعة إلى مخلصها العظيم ليقيم فيها حكم الله تعالى، إنه الإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر (عج).

لبنان والإمام المهدي

للإمام المهدي (عج) مقامات عدة في مختلف البلاد الإسلامية كالسرداب في سامراء ومسجد السهلة في الكوفة ومسجد جمكران في قم وغيرها. أما في لبنان فقد اشتهرت بلدة شمع العامليّة التابعة لمحافظة الجنوب – قضاء صور بمقام شمعون الصفا (بطرس) وصيّ عيسى (ع)، وجَدُّ الإمام المهديّ المنتظر لأمه.

ورد اسم شمعون الصفا (ع) في المصادر العربيّة شمعون بن حمون بن عامة، وفي الإنجيل هو سمعان بن يونا أو يونان الملقّب بـ “الصفا”.

وهو سليل الأنبياء من ناحية الأب والأمِّ معاً، والده حمون بن عامة الذي يعود نسبه للنبيّ سليمان بن داود عليهما السلام، وهو من بلدة جسكالا المعروفة اليوم ببلدة الجنش بفلسطين، كما ذكر إدوارد روبنسون نقلاً عن القديس جيروم، وأمّه أخت النبيّ عمران عليه السلام، والد السيدة مريم العذراء عليهما السلام.

كما أنه (ع) جدّ الإمام المهديّ (عج) لأمّه مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، فالسيدة مليكة أمّها من ولد الحواريّين، وينتهي نسبها إلى شمعون الصفا (ع).

وبهذا الإتصال النسبي لصاحب العصر والزمان اكتسب هذا المقام خصوصية لدى شيعة لبنان وعشاق الإمام المهدي (عج).

من جهة أخرى، برزت مؤلفات عدة عن الإمام المهدي (عج) لفقهاء وأدباء عامليين معروفين تتناول شخصه أو فيما يتعلق بظهوره وعصره، نذكر منهم:

الشيخ عبد الله سبيتي العاملي – من بلدة كفرا الجنوبية وهو من تلامذة السيد عبد الحسين شرف الدين – الذي ألف رسالة أسماها إلى مشيخة الأزهر في الردّ على كتاب المهدوية في الإسلام، دفاعا عن وجود الإمام (عج) ورد الشبهات داعيا الأزهر الشريف إلى تحمل مسؤولياته ومنع الفتن.

وهناك عبد الله بن عبد الواحد العاملي – من المجاورين للنجف الأشرف سنين كثيرة – الذي ألف كتاب “مشيد الأركان” وتحدث فيه عن الإمام المهدي (عج). وهو موجود عند آل صاحب الجواهر بالنجف الأشرف.

كما قام عدد من علمائنا الأفاضل بالرد على “القصيدة البغدادية” في إنكار صاحب الزمان (ع) عبر مؤلفات أمثال الشيخ رشيد الزيني العاملي والسيد علي محمود الأمين.

أما الشيخ علي الكوراني العاملي فقد كتب عن الإمام من نواحي عديدة، فكان له: “المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي”، “الممهدون للمهدي”، و”عصر الظهور”.

كما كتب السيد عباس علي الموسوي كتابا أيضا بعنوان “الإمام المهدي عدالة السماء” تحدث فيه عن الإمام (ع) منذ ولادته إلى ما بعد ظهوره.

واشتهر كتاب “يوم الخلاص في ظل القائم المهدي” للكاتب المبدع كامل سليمان في الأوساط الشعبية أيما اشتهاد.

كما تغنى العامليون بإمامهم الموعود فخطوا أجمل القصائد عنه، نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

السيد محسن الأمين الذي نظم قصيدة مطولة ردا على من شكك بوجود الإمام وغيبته وجعلها في كتابه المعروف “البرهان على وجود صاحب الزمان”(1)، ومما جاء فيها:

وقد كان في السردابِ أعظمُ آيةٍ من الحُجّةِ المهديّ حارَ لها الفِكْرُ

وقـد جـاء للمهديّ فيـه زيارةٌ عن السادةِ الأطهار يُعطى بها الأجْرُ

ونظم الشيخ بهاء الدين العاملي قصيدة عن الإمام (عج) بعنوان “وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان”(2) مخاطبا إياه:

أيا حجة الله الذي ليس جاريا بغير الذي يرضاه سابق أفكار

وأنعش قلوبا في انتظارك قرحت وأضجرها الأعداء أية إضجار

وخلص عباد الله من كل غاشم وطهر بلاد الله من كل كفار

أما الشيخ العظيم الحر العاملي – صاحب الوسائل – فقد ذكر ألقاب الإمام (عج) في أرجوزة خاصة (3) جاء فيها:

لقبه المهدي والمنتظر والقائم المكرم المطهر

غيبته تواترت أخبارها واشتهرت من قلبها آثارها

وطول عمر هكذا مروي ينقله العدو والولي

خروجه في آخر الزمان قد صح بالنص والبرهان

كما نظم الشيخ عبد الغني العاملي ديوانا في الإمام المنتظر (عج)، جاء في إحدى قصائده(4):

متى مليك الورى في نور طلعته يجلو دياجي الرزايا عن رعيته

متى ينادي المنادي باسمه علنا هذا إمام الهدى بشرى لشيعته

وللشاعر كامل سليمان عدة قصائد في الإمام المهدي (عج)، منها قصيدته “المولد الخفي”(5) قال فيها:

مولد يعبق بالأطياب والعطر الشذي

نحن واليناه تصديقا لأقوال النبي

يوم قال القائم المنصور من صلب بني

قائم بالقسط والعدل، سيمحو كل غي

وللسيد محمد حسين فضل الله قصيدة بعنوان “أنناجيك”(6) خاطب فيها الإمام المنتظر (عج) قائلا:

أَنُنَاجيكَ، والنَّجَاوى تطولُ حَسْبُهَا مِنْكَ أنَّكَ المأمولُ

ويُنادي: عجِّلْ لنا الفرجَ الأكبـرَ، إنَّ الحياةَ عبءٌ ثقيلُ

وللشاعر مرتضى شرارة العاملي قصائد عدة عن الإمام (عج) منها قصيدته بعنوان “قبلة العدل”، يخاطب فيها صاحب العصر قائلا:

يا إمامَ العصرِ إنّ العصرَ ذعرُ نحن عينٌ، ومرادُ العينِ فجرُ

سيّدي، أَقبلْ إلينا فالبلايا حيّةٌ جوعى ووحشٌ مستشِرُّ

قبلةَ العدلِ ألا فاطلُعْ علينا لنصلّي، واشتياقُ العدلِ طُهرُ

وللشاعر محمد الهادي مرتضى العاملي قصيدة بعنوان “حسام المجد”، قال فيها:

صلى بفجرك دوح العز فانعتقا وأطلق المجدَ في وجه المدى أُفُقَا

رعياً ليومك وعداً لا حنوث به بالأرض نورثها التنزيل قد نطقا

ختاما، لقد بشرت الأديان السماوية بالمخلص الموعود الذي يظهر في آخر الزمان لينشر شريعة الله على أرضه الواسعة. منذ الاف السنين وما زال الانتظار صعبا ومازالت العيون شاخصة إليه، فقد روي عن رسول الله (ص) قوله:” أفضل جهاد أُمَّتي انتظار الفرج”.

المصادر:

(1) كتاب البرهان على وجود صاحب الزمان/ السيد محسن الأمين العاملي، ص13-16.

(2) كتاب موسوعة سيرة أهل البيت الإمام المنتظر/ باقر شريف القرشي، ج35 ص283،282.

(3) كتاب موسوعة سيرة أهل البيت الإمام المنتظر/ باقر شريف القرشي، ج35 ص284.

(4) كتاب موسوعة سيرة أهل البيت الإمام المنتظر/ باقر شريف القرشي، ج35 ص288.

(5) كتاب صور من حياتي في شعري مع الله، والنبي وأهل بيته (ص)/ كامل سليمان، ص210.

(6) الموقع الرسمي لمؤسسة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله “بينات”، http://arabic.bayynat.org.lb/HtmlSecondary.aspx?id=26041

المصدر: شفقنا بیروت

 

logo test

اتصل بنا