من هدي الأئمة.. علاقة النبي الأكرم بالإمام الحسين

الحسين والنبي كلاهما من سلالة واحدة، كلاهما من جد واحد، كلاهما من صلب واحد، هذه السلالة التي ضمت النبي والإمام الحسين سلالة طاهرة طيبة، كلها أنبياء، كلها أوصياء.

من هدي الأئمة.. علاقة النبي الأكرم بالإمام الحسين

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ «27» ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً «28» فَادْخُلِي فِي عِبَادِي «29» وَادْخُلِي جَنَّتِي «30»﴾ [الفجر: 27 – 30]

صدق الله العلي العظيم

ورد عن الإمام الصادق : ”النفس المطمئنة جدي الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه“.

حديثنا حول عظمة الإمام الحسين ، ويدور في ثلاثة محاور:

النفس المطمئنة.

علاقة النبي بالحسين صلوات الله عليهما.

الامتداد الوجودي في شخصية الإمام الحسين .

المحور الأول: النفس المطمئنة

يقول الإمام الصادق أن النفس المطمئنة هي جدي الحسين ، وهذا ليس من باب التفسير، بل هو من باب الجري والتطبيق؛ أي أن أروع مثل وأجلى مصداق وأوضح مثال للنفس المطمئنة هو الإمام الحسين .

ومعنى النفس المطمئنة هي النفس المنصهرة بالله تبارك وتعالى، التي لا ترى في الوجود غير الله، ولا تفكر إلا في الله، ودرجات الاتصال والوصول إلى الله تبارك وتعالى ثلاث درجات: التوكل، الرضا، والتسليم.

    الدرجة الأولى:

التوكل؛ وتعني الثقة بأن الله تعالى يدفع البلاء، ويرفع الشقاء، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3] وقال تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: 122]

    الدرجة الثانية:

الرضا؛ أن يرضى الإنسان بقضاء الله وقدره، أن يرضى بالمصائب والنوائب التي تحل عليه، أن يعتبر المصائب والنوائب نعمة أنعم الله بها عليه ليقربه منه، وليوصله إليه، وهي مرحلة لا يصل إليها إلا الأولياء لأنها مرحلة متقدمة من الارتباط بالله، ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : ”رضيت بما قسم الله لي، وأوكلت أمري إلى خالقي، كما أحسن الله فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي.“

    الدرجة الثالثة:

التسليم؛ ويعني الفناء في الله، أن لا يفكر الإنسان إلا في الله، ولا يتصور إلا الله، ولا يتحرك حركة إلا لله، فهو قطعة إلهية تتحرك على الأرض. وهذه المرتبة  مرتبة التسليم  هي أعلى مراتب الارتباط بالله، النفس المطمئنة هي التي عاشت هذه المراتب واتحدت مع هذه الدرجات في الاتصال بالله تعالى، وهذا ما جسده الإمام الحسين يوم عاشوراء عندما ضُرب بالسهم المثلث، قال: ”اللهم رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك، يا غياث المستغيثين.“

تركت الخلق طراً في هواك                 وأيتمت  العيال  لكي أراك

فلو قطعتني في الحب إرباً                   لما  مال الفؤاد إلى سواك

المحور الثاني: علاقة النبي مع الإمام الحسين 

هذه العلاقة الوثيقة الوطيدة عبَّر عنها الرسول الأكرم بقوله: ”حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، وأبغض الله من أبغض حسيناً، حسين سبط من الأسباط.“

كما كان الرسول مثالاً للنفس المطمئنة التي قال عنها تعالى: ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً «28» فَادْخُلِي فِي عِبَادِي «29» وَادْخُلِي جَنَّتِي «30»﴾ كان الحسين أيضاً مثالاً للنفس المطمئنة.

هذه النفس المطمئنة عبَّر عنها الرسول: ”حسين مني وأنا من حسين.“ هذا التعبير في الأدب العربي عبارة عن الوحدة بين الشخصين، عندما تريد أن تقول فلان متحد معي، أنا هو، وهو أنا، فلان مني وأنا منه، يعني الاتحاد بين الشخصين، والعلاقة الوحدوية بينهما، كأن النبي يقول أنا والحسين واحد، أنا والحسين تجمعنا وحدة، حسين مني وأنا من حسين، وهذه الوحدة هي في عالم الأنوار، وفي عالم الأجساد، وفي عالم الحجية، وفي عالم الأدوار والأهداف.

نذكر هذه الموارد التي جسدت الوحدة بين الرسول الأعظم وبين الإمام الحسين :

المورد الأول: الوحدة في عالم الأنوار

قبل أن يخلق الله الوجود خلق نوراً واحد محيطاً بعرشه وهو نور محمد وآل محمد، تقرأ في زيارة الجامعة الواردة عن الإمام الهادي : «خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين حتى منَّ علينا بولايتكم.»

وقال الرسول الأعظم : «خلق الله نوري ونور علي قبل أن يخلق الوجود بألفي عام.»

وتقرأ في زيارة الحسين الواردة عن الإمام الصادق : «أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها.»

المورد الثاني: الوحدة في عالم الأجساد

الحسين والنبي كلاهما من سلالة واحدة، كلاهما من جد واحد، كلاهما من صلب واحد، هذه السلالة التي ضمت النبي والحسين سلالة طاهرة طيبة، كلها أنبياء، كلها أوصياء، قال عنها القرآن الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ «33» ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «34»﴾ [آل عمران: 33 – 34]

هي نفس الذرية ونفس السلالة التي فيها إبراهيم وآل عمران، وفيها آل إبراهيم، من نفس هذه السلالة محمد وآله ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 26]

هذه الذرية الطاهرة جاء منها الحسين بن علي كما جاء منها النبي، إذن الحسين والرسول من صلب واحد لذلك قال: ”أنا من حسين وحسين مني.“

المورد الثالث: الوحدة في الحجية

ما أعظم عبد المطلب! كان مؤمناً حنيفياً عظيماً، سطع من عبد المطلب نوران، نور نبوة النبي ونور الإمامة في علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وآلهما.

هذان النوران اللذان ارتكزت عليهما أهداف الرسالة، يقول القرآن الكريم: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25] الهدف من النبوة هو إقامة القسط ولكن إقامة القسط والعدالة يحتاج إلى ركنين: نبوة وإمامة.

النبوة قامت بدور التأسيس ووضع البذرة لتلك الشجرة المثمرة، والإمامة قامت برعاية تلك الشجرة وتنميتها حتى آتت أكلها وثمارها، النبي قام بدور التأسيس والحسين قام بدور التعضيد والتمكين على الأرض، والحسين والنبي كلاهما قاما بحركة قرآنية، قال تبارك وتعالى عن دور النبي: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا «45» وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا «46»﴾ [الأحزاب: 45 – 46]

وتحدث القرآن نفسه عن الدور الآخر وقال: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]

وقال: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110]

النبي قام بدوره ألا وهو ما قال عنه القرآن: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33] والحسين قام بدوره ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «ما خرجت أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»

إذن لولا النبوة والوحي لما كان للإمامة معنى، ولولا الإمامة لضاعت جهود النبوة وتلاشى الدين واضمحل نور الوحي والكتاب، إذن الإمامة والنبوة يكمل بعضهما بعضاً، ولذلك قال : ”حسين مني وأنا من حسين.“ إمامة الحسين من نبوتي، ولو لا الحسين لما كان هناك ذرية الحسين، ولو لا ذرية الحسين التسعة الأئمة المعصومين لتلاشى دين الله وانطفأت شعلة الحق، فالإمام الحسين وأبناؤه التسعة مثَّلوا الإمامة، والنبي محمد مثل النبوة لذلك قال: ”حسين مني وأنا من حسين.“

المورد الرابع: الوحدة في الأدوار والأهداف

ما كان يهدف إليه النبي في رسالته هو إقامة العدالة، والهدف الذي كان يهدف إليه الحسين في حركته هو إقامة العدالة «ألا وإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه».

الإمام الحسين مثَّل دور النبي أفضل تمثيل وتجسيد يوم كربلاء، ورث الحسين من رسول الله خصلتين: العزة، والصبر والتضحية.

أما العزة فقد قال القرآن عنها: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8] وقال رسول الله: ”والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه.“ وقال الحسين نفس المنطق، ونفس العزة ونفس الكرامة: ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منها الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله، والمؤمنون، وجذور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية، أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.“

الرسول الأعظم جسَّد الصبر والفداء، وقال: ”ما أوذي نبي مثلما أوذيت.“ والحسين جسَّد الصبر والفداء وتحمل ما لم يتحمله أحد من المخلوقين، ولذلك أنت تقرأ في زيارة الحسين: «وجاهد فيك صابراً محتسباً، لا تأخذه في الله لومة لائم حتى سُفك في طاعتك دمه، واستُبيح حريمه».

إذن الحسين من رسول الله، ورسول الله تجسد في الحسين، وتمثل في الحسين بن علي صلوات الله عليهما وآلهما لذلك قال: حسين مني وأنا من حسين.

المحور الثالث: الامتداد الوجودي في شخصية الإمام الحسين 

الوجود نوعان: وجود حقيقي، ووجود اعتباري.

الوجود الحقيقي هو الوجود الذي لا يختلف فيه الناس، الجميع يؤمن به، كوجود الإنسان، وجود الشمس، وجود القمر.

أما الوجود الاعتباري فهو الوجود الذي تختلف فيه الآراء والأفكار، مثلاً الملكية في المذاهب الاقتصادية، يناقش أهل المذاهب الاقتصادية هل أن الإنسان يملك رقبة الأرض أم يملك البناء فقط، أو يملك الزراعة فقط. هناك مذاهب تقول لا يملك الإنسان رقبة الأرض بل يملك نتيجة جهده من بناء وزراعة، أما نفس الأرض فلا تُملك، ولكن مذاهب أخرى تقول الإنسان يملك الأرض. وجود الملكية للأرض يسمى وجود اعتباري لأن فيه تختلف الآراء والأفكار.

فكما أن هناك وجود حقيقي ووجود اعتباري والإنسان بطبعه يسعى للامتداد والبقاء، يسعى للامتداد في الوجود الحقيقي والامتداد في الوجود الاعتباري، ويمتد الإنسان في الوجود الاعتباري من خلال العنوان، يصبح الإنسان نجماً رياضياً مشهوراً، يصبح عالماً مشهوراً، هذا وجود اعتباري.

الرسول الأعظم ينص على الامتداد في الوجود الحقيقي، يقول: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وسنة يهتدى بها، وولد صالح يدعو له.

إذا أردت أن يبقى وجودك بعد موتك ويبقى عملك مستمراً فاسْلك أحد هذه الثلاثة أو كلها، لأنه امتداد في الوجود الحقيقي، يبقى فيه عملك حتى بعد موتك.

الخصلة الأولى: الصدقة الجارية

الصدقة الجارية هي الوقف، يقف الإنسان منزله للفقراء، يقف عمارة للأيتام، يقف مركزاً للدين… إلخ. يجعل له صدقة جارية يبقى فيها عمله حتى وهو في قبره، تهطل عليه الرحمة نتيجة تلك الصدقة.

الخصلة الثانية: سنة يهتدى بها

السنة مقابل البدعة، هناك من يبتدع بدعة يبقى ضلالها وشررها حتى بعد موتها، وهناك من يسن سنة يهتدى بها حتى بعد موته، إنسان مثلاً يسعى أن يكون يوم عاشوراء عطلة رسمية للمسلمين، هناك من يسعى أن يكون مولد الرسول الأعظم عطلة رسمية، هذه سنة يهتدى بها، وهذه السنة ما بقيت يبقى الثواب يدر على الإنسان حتى وهو في عالم البرزخ.

الخصلة الثالثة: ولد صالح يدعو له

لا يوجد أثمن من الولد الصالح، لأنه امتداد لك بعد موتك وبقاء لك، دعوة الولد الصالح تخفف عنك، تهطل عليك الرحمات وشآبيب الرضوان، الولد الصالح هو قيمة الحياة، حاول أن لا تخرج من هذه الحياة إلا وعندك ولد صالح يدعو لك فتكون دعوته امتداداً لوجودك، ورد عن الإمام زين العابدين قال: ”وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك مضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، فاعمل في أمره عمل من يثاب على الإحسان إليه ويعاقب على الإساءة إليه.“ حاول أن تحسن إلى ولدك وأن تربيه تربية صالحة كي يكون ذخراً لك بعد موتك.

الحسين بن علي لم يطلب وجوداً اعتباري كما نطلبه نحن، الحسين طلب الامتداد في الوجود الحقيقي، فهل تحقق للحسين الامتداد في الوجود الحقيقي؟

نعم امتد للحسين الوجود في عالمين: عالم الشهادة وهو عالم المادة، وعالم الغيب.

أما في عالم الشهادة فكل أهل البيت لهم تأثير على الوجود، لهم تأثير على الكون، ورد في زيارة الجامعة الواردة عن الإمام الهادي : «بكم فتح الله، وبكم يختم، وبكم ينزل الغيث، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبكم ينفس الهم، وبكم يكشف الضر، وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته».

وورد في زيارة الجامعة: «أسماؤكم في الأسماء، وأجسادكم في الأجساد، وأرواحكم في الأرواح، وأنفسكم في النفوس، وآثاركم في الآثار، وقبوركم في القبور، فما أحلى أسماءكم وأكرم أنفسكم وأعظم شأنكم».

هذه العبارات لها تفسيران:

    التفسير الأول:

أن أسماءكم بارزة بين الأسماء، وقبوركم بارزة بين القبور، وأجسادكم واضحة بين الأجساد. تريد أن تشير إلى تمييز قبورهم وأجسادهم وأسمائهم على بقية الأجساد والقبور.

    التفسير الثاني:

يذكره جملة من العلماء وهو أن قبوركم لها تأثير على القبور، وأجسادكم لها تأثير على الأجساد، وأجسامكم لها تأثير على الأجسام، وأرواحكم لها تأثير على الأرواح، أنتم تؤثرون على ما حولكم من أجساد وقبور وأرواح وأنفس، أنتم لكم التأثير على ما حولكم، وهذا يعني أن لوجود الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم امتداد، لقبورهم تأثير، ولأجسادهم تأثير، ولأرواحهم تأثير، ولأجسامهم تأثير، لذلك يستحب الدفن عند قبور المعصومين لأن لقبورهم أثراً في القبور، ولأجسادهم أثر في الأجساد، وهذا عبارة عن الامتداد الوجودي للأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم، ومنهم الإمام الحسين ، وقد ورد في الحديث: ”لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها.“

الامتداد في عالم الغيب

وأما الامتداد في عالم الغيب فهناك ثلاثة أمثلة:

المثال الأول:

الزيارة الواردة عن الإمام الصادق : «أشهد أن دمك سكن في الخلد».

كل أعمالنا تتجسم يوم القيامة، يقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التحريم: 7] نفس أعمالكم هي جزاؤكم، الصلاة تتحول إلى شجرة في الجنة، الصدقة تتحول إلى رصيد في الجنة، أعمالنا هي جزاؤنا، الإنسان عندما يكون صالح فهو يبني جنته من حيث لا يشعر، هو من يبني مكانه في الجنة بالصدقة، الصلاة، الصوم، النافلة… إلخ، أعمالكم هي جزاؤكم، وإنما تجزون ما كنتم تعملون.

أما المعصية تتحول إلى قطعة من النار، يقول القرآن الكريم: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ «34» يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة: 34 – 35]

ما كنزتموه تحول إلى قطعة من النار، ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6] النار وقودها الناس وهم شعلتها لأن أعمالهم تتجسد ناراً وقطعاً من الحميم والجحيم.

الأعمال تتجسم والوجود كله يتجسم يوم القيامة، ومما يتجسم في يوم القيامة الدم، دم المظلوم، الدم الذي أريق في سبيل الله يتجسم يوم القيامة، يظل نوراً مشعاً، الحسين في يوم عاشوراء أخذ دم الطفل الرضيع ورمى به إلى السماء فما رجعت منه قطرة، التقطته ملائكة الرحمة، ذلك الدم هو دم طفل رضيع أريق في سبيل الله، ذلك الدم سكن الجنة، سكن الخلد، وتحول إلى زينة يتزين بها أهل الجنان والحور والولدان.

المثال الثاني:

نقرأ في الزيارة الرجبية للحسين : «بأبي أنتم وأمي ونفسي يا أبا عبد الله أشهد لقد اقشعرت لدمائكم أظلة العرش مع أظلة الخلائق وبكتكم السماء والأرض، وسكان الجنان، والبر والبحر.»

العرش هو مركز الاستخبارات للوجود، فيه معلومات وأخبار الوجود كلها لذلك يقول تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ [يونس: 3] استوى أي سيطر على مركز الوجود. العرش حوله أظلة وهم الملائكة، يقول القرآن الكريم: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ [الزمر: 75]

«أشهد لقد اقشعرت لدمائكم أظلة العرش مع أظلة الخلائق» كل المخلوقات لها مثال في العرش، كل مخلوق له ملف في العرش، هذا المثال لكل مخلوق هو ظله، فكما اقشعرت لدمائكم أظلة العرش اقشعرت كل أظلة المخلوقين الموجودة في العرش لدمائكم، وبكتكم السماء والأرض وسكان الجنان.

المثال الثالث:

يخاطب الإمام الرضا ابن شبيب يقول: يا ابن شبيب إن كنت باكياً لشيء فابكِ الحسين فإنه قد قتل وذبح معه ثمانية عشر من رجاله ما لهم على وجه الأرض شبيه. وقال: وبكتهم السماوات السبع والأرضون.

يقول القرآن الكريم: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ «28» فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ «29»﴾ [الدخان: 28 – 29] السماء يمكن أن تبكي ولكنها لم تبكِ على هؤلاء لأنهم كانوا فاسقين، أي أن السماء يمكن أن تبكي.

وذكرنا في المحاضرة الثانية أن كل موجود في هذا الكون يعيش نوع من الحياة، وتسمى الحياة الملكوتية، يقول القرآن الكريم: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: 44] كل شيء يسبح، كل شيء له لغة، إذن كل شيء له حياة، كل من في الوجود له حياة، كل من في الوجود له لغة، يقول القرآن الكريم: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 74]

الحجر يهبط من خشية الله، كيف يعي الحجر ويهبط من خشية الله؟! إذن الحجر له حياة ووعي.

ويقول القرآن الكريم: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر: 21] الجبل يخشى الله، كل شيء يسبح لله إذن في كل شيء حياة، وإذا كان في كل شيء حياة إذن من الممكن أن الأشياء تبكي للمصيبة العظمى والفاجعة الكبرى.

وكما في تاريخ دمشق لابن عساكر، والصواعق المحرقة لابن حجر ورد: ما رُفع حجر ولا مدر يوم عاشوراء إلا ووجد تحته دم عبيط.

البكاء على الحسين

والناس تبكي الحسين لكن على ثلاثة أقسام:

القسم الأول:

يبكي الحسين بكاء إنسانياً، كما يبكي على الشهداء الآخرين والمظلومين.

القسم الثاني:

يبكي على الحسين لأن في البكاء على الحسين ثواباً وأجراً، كما ورد عن الإمام الرضا : ”من ذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة.“

وقال الإمام الصادق : أتجلسون وتتحدثون؟ قلت: بلى سيدي. قال: إني أحب تلك المجالس فأحيوا فيها أمرنا، من جلس مجلساً يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

القسم الثالث:

يبكي الحسين لأن الكون كله يبكي الحسين، يبكي الحسين لأنه جزء من الكون الباكي، يبكي الحسين لأن الرسول يبكي الحسين، يبكيه لأن فاطمة تبكي الحسين، يبكي الحسين لأن الأئمة الأطهار يبكون الحسين، فأنا مع هؤلاء مواساة للرسول ومواساة لفاطمة وللأئمة الأطهار في هذه الليلة أبكي الحسين.

تبكيك عيني لا لأجل مثوبة                  لكنما  عيني  لأجلك باكية

السيد منير الخباز/موقع المنیر

المصدر: شفقنا

logo test

اتصل بنا