المهدي على لسان الوحي والمعصومين والمخالفين

flower 12

    

رسالة منقذ البشرية هي خاتمة الرسالات لتوافر شروط الكمال فيها من رعاية أبناء الإنسانية من الزيغ والإنحراف وتوجيههم إلى طرق الهداية والإيمان بالله وترك ماسواه من الأوهام والأباطيل التي لا تغني عن الحقِّ شيئاً . كما ورد عن الوحي )وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (.

كما أنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأقوال الأئمة الهُداة قد جسّدوا هذا المعنى. وكل رسالة من الرسالات السماوية لها أهدافها ووسائل نشرها وتحدّيها للظلم والتسلّط بوسائل إعجازية تثبت عجز المنحرفين والكافرين من الصمود أمام تحدِّيها وكذا الرسالة الإسلامية فهي تشترك مع من سبقتها من الرسالات بالإيمان بالله وترك ما سواه لكنها تختلف عمن سبقها بأن فيها من وسائل البقاء ما بقى الدهر وبقيّة الرسالات السابقة لها أمد محدود. وهنا يبدر التساؤل الآتي لمّا كانت الرسالة قد قيّضَ اللهُ لها البقاءَ ما بقي الدهر. فهل أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) سيبقى مابقي الدهر؟ الجواب: نعم.

إنّ الرسول باقٍ مابقي الدهر بفكره ومنهجه السليم وابنائه الذين يحفظون عهده الذي يبلغونه إلى شيعته وحياً وعقيدة وسلوكاً . ولذا نرى أن أئمة الهُدى (عليهم السلام) هي نسخة طبق الأصل لجدّهم العظيم محمد (صلى الله عليه وآله) عقيدةً وسلوكاً، فوجودهم يعني وجود الرسول (صلى الله عليه وآله). ومن هنا أصبحت الإمامة حقّاً لأهلها في أعناق الأمة ومنكر الإمامة يعني إنكاره للوحي وأوامر السماء : )يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ... وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ(.

ثم يرد أمر السماء الذي لا يقبل المهادنة والخشية والتأخير بموجب الأمر الذي يتضمن التشديد في أمر الولاية بقوله تعالى: )وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه( ولكن انتقال الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى جوار ربّه بعد بضع سنوات من الهجرة بالتحديد بعد حجّة الوداع، وشهادة آخر الأئمة من أحفاده وهو الحسن العسكري (عليه السلام) في منتصف القرن الثالث.

فهل يعني هذان الحدثان ترك المجال للأمة تتخبط وفق نوازعها العاطفية والعقائدية تُنصّب وتعزل مَن تشاء؟ وتترك أوامر الوحي والرسول جانباً ؟ أو يُقيّض الله لها من يأمر السفراء والوكلاء بتنفيذ أوامر الرسالة على يد رجال أُمناء؟ وبما أن الله تعالى لا يترك أمر رسالته سدىً وهي التي جعلها خاتمة الرسالات وحيث أن الأرض لا تخلو من حُجّة فقيّض الله تعالى حجته المنتظر (عج) للاُمة كي لا تسيخ الأرض بأهلها ولكي يقيم العدل بعد الظلم كما أقامه جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) وحقيقة الإمام المنتظر (عج) لا يتفرد فيها الشيعة لوحدهم وإنما يشاركهم بقيّةُ المسلمين وغير المسلمين . فيعتقد المسيحيون أن المسيح (عليه السلام) سيخرج في آخر الزمان ليقيم العدل بعد انتشار الظلم. فهم يشاركون المسلمين في هذه الحقيقة ولا ينكرها إلاّ كافر أو منكر لرسالة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)[1] .

ونحن نعزز هذه الحقيقة بالوحي وأقوال الرسول والمعصومين (عليهم السلام) ومنها قول القرآن الكريم بشأنه (عج). ثم الوقوف على أقوال المخالفين. فالآيات:

1/ قوله تعالى: )حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) إن الناس يُوعَدون بظهور الحُجّة (عج). وأن أعداءهُ أضعف قوةً منه.

2/ )سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [2](

فيريهم الله في أنفسهم المسخ للمنكرين. ويريهم قدرته تعالى حتى يتبيّن الحقُّ وهو ظهور القائم المنتظر (عج) . كما روى أبو بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام).

3/ )اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا( فقد أشار ابن عباس أنّ الله يُصلح الارض بقائم آل محمد (بعد موتها) أي بعد تسلّط أهل الجور والظلم عليها.

وأمّا ما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأئمة الهُدى وأقوال العامة وما يثبت هذه الحقيقة:

1/ قال الرسول (صلى الله عليه وآله): «لا تقوم الساعة حتى يقوم القائمُ الحقُّ منّا وذلك حين يأذن الله عزّ وجلّ له، فَمَن تبعهُ نجا ومن تخلّف عنه هلك. الله الله عباد الله فأتوه ولو على الثلج فانه خليفة الله عزّ وجلّ وخليفتي».

2/ وعن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن الإمام علي (عليه السلام) قال النبي (صلى الله عليه وآله): «لا تذهب الدنيا حتى يقوم بأمر أُمتي رجلٌ من ولد الحُسين يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».

3/ وقال الإمام علي (عليه السلام) بشأن الآية: )وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(: «أنّ الدنيا لتعطفنَّ علينا عطف الشموس على ولدها». ثم قال (عليه السلام): «نحن والله المستضعفون»[3].

وأما أقوال العامّة فهي:

1ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرجَ رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً».

2ـ وذكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «وخروج المهدي من ولد هذا ـ وأشار إلى الإمام علي (عليه السلام) ـ به يمحق الله الكذب ويذهب الزمان الكلب به يخرج ذل الرِّق من أعناقكم. ثم قال: «أنا أولها والمهدي أوسطها وعيسى آخرها وبين ذلك تيح أعوج»[4].

3ـ وقد جمع الحافظ أبو نعيم أربعين حديثاً في أمر المهدي وقد ذكرها رواتها عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)[5] .

4ـ وقال أنس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «نحن بني عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر والحسن والحسين والمهدي». أخرجه ابن ماجة في صحيحه.

5ـ قال أبو هريرة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «كيف بكم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟» وقد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما[6].

6ـ وقد روى الحافظ أبو عبد الله: أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال: «يتقدم المهدي يصلّي الصبح في بيت المقدس فينزل عيسى (عليه السلام) فيُقَدِّمُه الإمام كي يؤمّه في الصلاة فيضع النبي عيسى (عليه السلام) يده بين كتفي الإمام ، ثم يقول له: تقدّم، فيتقدم. وذكر هذا الحديث ابن ماجة في كتابه عن أبي أمامة الباهلي.

7ـ وفي الرد على من زعم أن المهدي هو المسيح بن مريم مسنداً عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنَّهُ سأل الرسول (صلى الله عليه وآله): «أمنّا آل محمد المهدي أم من غيرنا؟» فأجابه الرسول (صلى الله عليه وآله) : «لا بل منّا يختم الله به الدين كما فتح بنا، وبنا يُنقذون من الفتنة كما أُنقذوا من الشرك وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة».

وقد ذكر هذا الحديث الطبراني في المعجم الأوسط، وأبو نعيم في حلية الأولياء وعبد الرحمن بن حمّاد في عواليه.

8 ـ وقد ذكر عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «يخرج المهدي وعلى رأسه مَلَكٌ ينادي هذا المهدي فاتبعوهُ». وقد روى هذا الحديث الحُفّاظ كأبي نعيم والطبراني وغيرهم.

فمن مُجمل ما تقدم من نصوص القرآن في موارد متعددة من الآيات وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) وأئمة الهُدى (عليهم السلام) وما ذكره أصحاب المسانيد والأحاديث وأصحاب السنن المخالفين لخطِّ آل البيت يأخذ بأيدينا إلى حقيقة ثابتة وهي: حاجة البشرية إلى مَن ينقذُها من الظُلم وجور الطغاة . وقد أودع الله في مهدي آل محمد من القدرات والطاقات مما جعله قائد مسيرة التغييّر وما يرافقها إلى الحقِّ والعدل كما جاء به سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله).

أمّا مَن يُهرِّجُ وينتحل المواقف والشخصيات وأمور ما أنزل الله بها من سلطان فإنّ يوم الجزاء والعدل الذي فيه تُذهل كلّ مرضعة عما أرضعت ـ ينتظرهُ لينال جزاءه وما اقترفت يداه مِن ظلم آل محمد وشيعتهم (وإنّ غداً لناظره قريبٌ).

والحمد لله رب العالمين لهدايته لدينه وما دعا إليه نبيُّه (صلى الله عليه وآله).


 

[1] الآية : 76 من سورة مريم و ج51 ص 63/ بحار الأنوار : للشيخ المجلسي.

[2] الآية/ 53 من سورة فصلت. وج51 ص 62 بحار الأنوار : للشيخ المجلسي.

[3] الآية / 5 القصص. وج51 ص 64 بحار الأنوار : للشيخ المجلسي.

[4] ج51 ص74 و75 / بحار الأنوار : للشيخ المجلسي.

[5] ج51 ص 78/ بحار الأنوار: للشيخ المجلسي.

[6] ج51 ص 88/ بحار الأنوار : للشيخ المجلسي.

 

 

      المصدر:سایت السبطین

logo test

اتصل بنا