من الوقائع المشهورة رجوع الصحابة إلى الإمام علي (ع) والأخذ برأيه في أغلب مجالات العلم والمعرفة وفي الفقه والقضاء، وكانوا سرعان ما يتركون رأيهم أو حكمهم لرأيه ولحكمه إيماناً منهم بأعلميته، ولا يجدون حرجاً في رجوعهم إليه، فقد (كان أبو بكر وعمر يشاورانه ويرجعان إلى رأيه، وكان كل الصحابة مفتقراً إلى علمه)([1]).
فقد كان الخليفة الأوّل إذا نزل به أمر دعا جمعاً من الصحابة وعلى رأسهم عليّ بن أبي طالب واستشارهم في الأمر([2]).
وكان إذا عجز عن الإجابة عن بعض المسائل دعا علياً (ع) فأجابه عنها، فمثلاً سأله اليهود عن مسائل متعددة فحوّل الجواب إلى عليّ فأجابهم([3]).
واستشاره في شارب خمرٍ ادعى أنّه شربها ولم يعلم بالتحريم، فأجابه الإمام(ع) بما ينسجم مع قواعد الشريعة، فخلى أبو بكر سبيله ولم يحدّه([4]).
ورجع الخليفة الثاني لرأيه في مجالات عديدة، فقد استشاره في عقوبة شارب الخمر، فقال له: أرى أن تجلده ثمانين([5]).
ودعا عمر امرأة لما بلغه عنها أمر مريب فارتاعت وسقط جنينها، فقال له عليّ (ع): ((أمّا المأثم فأرجو أن يكون محطوطاً عنك وأرى عليك الدية))([6]).
ورجع إلى رأيه في عدم رجم امرأة اعترفت بالفجور، فقال له: ما بال سلطانك على ما في بطنها([7]).
وترك رأيه إلى رأي عليّ (ع) في أحكام وقضايا عديدة
ومنها:([8])
امرأة أجهزها العطش فمرت على راعٍ فاستسقته فأبى إلا أن تُمكّنه من نفسها ففعلت، فقال عليّ: هي مضطرة إلى ذلك فخل سبيلها، ففعل.
امرأة مجنونة أراد رجمها فانتزعها عليّ من أيديهم، وقال: هذه مبتلاة فلعله أتاها وهو بها، فترك عمر رجمها.
وأراد رجم امرأة ولدت لستة أشهر، فقال له عليّ: ((إنّ الله عزّ وجلّ يقول: )وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً(([9])، وقال تعالى: )وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ(([10])، فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين، فترك رجمها.
ورجع إلى رأيه في أمور كثيرة في الفقه والقضاء وفي قسمة بعض الأموال، وفي أمور خطيرة عبّر عنها بالهلاك، وقد اعترف بدور عليّ في إنقاذه من الهلاك حيث يقول:
(لولا علي لهلك عمر).
(أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن).
(لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن).
(اللّهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي)([11]).
وقال في حقّه تقديماً له على غيره: (لا يفتِينّ أحد في المسجد وعليّ حاضر)([12]).
وكان الخليفة الثالث يرجع إليه في الكثير من الأحكام والقضايا، وكان إذا جاءه الخصمان قال لأحدهما اذهب فادع علياًً، وقال للآخر: اذهب فادع طلحة والزبير... فإن قالوا ما يوافق رأيه أمضاه وإلاّ نظر فيه بعد([13]).
ويشير عليه بالحكم الأصوب فيأخذ برأيه.
عن محمد بن يحيى بن حبان أنه قال: ((كانت عند جدّه حبان امرأتان له: هاشمية وأنصارية، فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك عنها ولم تحض، فقالت: أنا أرثه لم أحض، فاختصما إلى عثمان فقضى لهما عثمان بالميراث، فلامت الهاشمية عثمان، فقال عثمان: ابن عمك هو أشار علينا بهذا، يعني علياً))([14]).
وعن الحسن بن سعد عن أبيه قال: ((إن يحنس وصفية كانا من سبي الخمس، فزنت صفية برجل من الخمس فولدت غلاماً فادعاه الزاني ويحنس فاختصما إلى عثمان، فرفعهما إلى علي بن أبي طالب، فقال علي: أقضي فيهما بقضاء رسول الله (ص): الولد للفراش وللعاهر الحجر، وجلدهما خمسين خمسين))([15]).
ومن سيرة عليّ (ع) استنبط الفقهاء أحكام عديدة، ومن ذلك استنباط أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفين([16]).
وعليّ هو القائل: ((سلوني عن طرق السماوات فانّي أعرف بها من طرق الأرضين، ولو كشف الغطاء لي ما ازددت يقيناً)).
وحول هذا الحديث قال سعيد بن المسيّب: (لم يكن أحد من أصحاب رسول الله يقولها إلاّ عليّ بن أبي طالب))([17]).
المصدر: سایت الشیعه
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ المنتظم 5: 68.
[2] ـ كنز العمال 5: 627.
[3] ـ ذخائر العقبى: 80 .
[4] ـ مناقب آل أبي طالب 397:2.
[5] ـ تاريخ المدينة المنورة 2: 732.
[6] ـ أعلام الموقعين: 1: 215، ابن قيم الجوزي، دار الجيل، بيروت.
[7] ـ ذخائر العقبى: 81 .
[8] ـ نفس المصدر: 81 ، 83 .
[9] ـ الأحقاف : من الآية 15 .
[10] ـ لقمان: من الآية 14 .
[11] ـ فرائد السمطين 1: 344، :1الطبقات الكبرى 3:339، تاريخ الخلفاء: 171، ذخائر العقبى: 82 .
[12] ـ شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد: ج1، ص18.
[13] ـ السنن الكبرى 10: 112.
[14] ـ المصدر السابق 7: 419.
[15] ـ مسند أحمد بن حنبل 1: 167.
[16] ـ تذكرة الخواص: 39.
[17] ـ تذكرة الخواص : 34 ــ 35.